ولا يخفى عليه خافية، ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم، فقوله ﴿لا تَأْخُذُهُ﴾ أي لا تغلبه سنة وهي الوسن والنعاس، ولهذا قال: ولا نوم لأنه أقوى من السنة. وفي الصحيح عن أبي موسى، قال: قام فينا رسول الله ﷺ بأربع كلمات، فقال «إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل، وعمل الليل قبل عمل النهار، حجابه النور أو النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾ أن موسى ﵇ سأل الملائكة: هل ينام الله ﷿؟ فأوحى الله تعالى إلى الملائكة وأمرهم أن يؤرقوه ثلاثا، فلا يتركوه ينام، ففعلوا، ثم أعطوه قارورتين فأمسكهما، ثم تركوه وحذروه أن يكسرهما، قال: فجعل ينعس وهما في يده، وفي كل يد واحدة، قال: فجعل ينعس وينبه، وينعس وينبه، حتى نعس نعسة، فضرب إحداهما بالأخرى فكسرهما، قال معمر: إنما هو مثل ضربه الله ﷿، يقول فكذلك السموات والأرض في يده، وهكذا رواه ابن جرير، عن الحسن بن يحيى، عن عبد الرزاق فذكره، وهو من أخبار بني إسرائيل، وهو مما يعلم أن موسى ﵇ لا يخفى عليه مثل هذا من أمر الله ﷿، وأنه منزه عنه.
وأغرب من هذا كله الحديث الذي رواه ابن جرير (١): حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل. حدثنا هشام بن يوسف، عن أمية بن شبل، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة، قال:
سمعت رسول الله ﷺ يحكي عن موسى ﵇ على المنبر، قال «وقع في نفس موسى: هل ينام الله؟ فأرسل الله إليه ملكا فأرقه ثلاثا، ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما قال: فجعل ينام، وكادت يداه تلتقيان، فيستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى، حتى نام نومة، فاصطفقت يداه، فانكسرت القارورتان، -قال-ضرب الله ﷿ مثلا، أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض» وهذا حديث غريب جدا، والأظهر أنه إسرائيلي لا مرفوع، والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي، حدثني أبي عن أبيه، حدثنا أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن بني إسرائيل قالوا: يا موسى، هل ينام ربك؟ قال:
اتقوا الله، فناداه ربه ﷿ يا موسى، سألوك هل ينام ربك، فخذ زجاجتين في يديك، فقم الليلة، ففعل موسى، فلما ذهب من الليل ثلث نعس، فوقع لركبتيه، ثم انتعش فضبطهما، حتى إذا كان آخر الليل نعس، فسقطت الزجاجتان فانكسرتا، فقال: يا موسى، لو كنت أنام لسقطت السموات والأرض فهلكت كما هلكت الزجاجتان في يديك. فأنزل الله ﷿ على نبيه ﷺ آية