بني سالم بن عوف، يقال له الحصيني، كان له ابنان نصرانيان وكان هو رجلا مسلما، فقال للنبي ﷺ: ألا استكرههما، فإنهما قد أبيا إلا النصرانية، فأنزل الله فيه ذلك، رواه ابن جرير.
وروى السدي نحو ذلك، وزاد: وكانا قد تنصرا على يدي تجار قدموا من الشام يحملون زيتا، فلما عزما على الذهاب معهم، أراد أبوهما أن يستكرههما، وطلب من رسول الله ﷺ أن يبعث في آثارهما، فنزلت هذه الآية.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن عوف، أخبرنا شريك عن أبي هلال عن أسق، قال: كنت في دينهم مملوكا نصرانيا لعمر بن الخطاب، فكان يعرض علي الإسلام، فآبى، فيقول ﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ﴾ ويقول: يا أسق، لو أسلمت لاستعنا بك على بعض أمور المسلمين.
وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء، أن هذه محمولة على أهل الكتاب، ومن دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل إذا بذلوا الجزية، وقال آخرون: بل هي منسوخة بآية القتال، وإنه يجب أن يدعى جميع الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف، دين الإسلام، فإن أبى أحد منهم الدخول فيه، ولم ينقد له أو يبذل الجزية، قوتل حتى يقتل، وهذا معنى الإكراه، قال الله تعالى ﴿سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ [الفتح: ١٦] وقال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٩٣] وقال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: ١٢٣] وفي الصحيح «عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل» يعني الأسارى الذين يقدم بهم بلاد الإسلام في الوثائق والأغلال والقيود والأكبال، ثم بعد ذلك يسلمون، وتصلح أعمالهم وسرائرهم فيكونون من أهل الجنة. فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد (١): حدثنا يحيى عن حميد عن أنس، أن رسول الله ﷺ قال لرجل «أسلم»، قال: إني أجدني كارها، قال:«وإن كنت كارها» فإنه ثلاثي صحيح، ولكن ليس من هذا القبيل، فإنه لم يكرهه النبي ﷺ على الإسلام، بل دعاه إليه، فأخبره أن نفسه ليست قابلة له، بل هي كارهة، فقال له: أسلم وإن كنت كارها، فإن الله سيرزقك حسن النية والإخلاص.
وقوله: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي من خلع الأنداد والأوثان، وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله، ووحد الله فعبده وحده، وشهد أنه لا إله إلا هو ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى﴾ أي فقد ثبت في أمره، واستقام على الطريق المثلى، والصراط المستقيم، قال أبو قاسم البغوي:
حدثنا أبو روح البلدي، حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم، عن أبي إسحاق عن حسان، هو ابن