للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد سهل الله ويسر حفظه على الناس، والسنن أيضا محفوظة عن رسول الله ، والذي أمر الله بكتابته إنما هو أشياء جزئية تقع بين الناس، فأمروا أمر إرشاد لا أمر إيجاب كما ذهب إليه بعضهم، قال ابن جريج: من ادّان فليكتب، ومن ابتاع فليشهد.

وقال قتادة: ذكر لنا أن أبا سليمان المرعشي كان رجلا صحب كعبا، فقال ذات يوم لأصحابه: هل تعلمون مظلوما دعا ربه فلم يستجب له؟ فقالوا: وكيف يكون ذلك؟ قال: رجل باع بيعا إلى أجل فلم يشهد ولم يكتب فلما حل ماله جحده صاحبه، فدعا ربه فلم يستجب له، لأنه قد عصى ربه، وقال أبو سعيد والشعبي والربيع بن أنس والحسن وابن جريج وابن زيد وغيرهم: كان ذلك واجبا، ثم نسخ بقوله: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] والدليل على ذلك أيضا الحديث الذي حكي عن شرع من قبلنا مقررا في شرعنا ولم ينكر عدم الكتابة والإشهاد.

قال الإمام أحمد (١): حدثنا يونس بن محمد، حدثنا ليث عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة، عن رسول الله ، أنه ذكر أن رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بشهداء أشهدهم. قال: كفى بالله شهيدا، قال ائتني بكفيل قال: كفى بالله كفيلا. قال: صدقت، فدفعها إلى أجل مسمى فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبا يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركبا فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة معها إلى صاحبها، ثم زجج (٢) موضعها، ثم أتى بها البحر، ثم قال: اللهم إنك قد علمت أني استسلفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بذلك؛ وسألني شهيدا، فرضي بذلك؛ وإني قد جهدت أن أجد مركبا أبعث بها إليه بالذي أعطاني فلم أجد مركبا وإني استودعتكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يطلب مركبا إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا يجيئه بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلما كسرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الرجل الذي كان تسلف منه، فأتاه بألف دينار وقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه قال: هل كنت بعثت إليّ بشيء؟ قال: ألم أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه؟ قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت به في الخشبة، فانصرف بإلفك راشدا، وهذا إسناد صحيح وقد رواه البخاري في سبعة مواضع من طرق صحيحة معلقا بصيغة الجزم، فقال وقال الليث بن سعيد فذكره، ويقال إنه في بعضها عن عبد الله بن صالح كاتب الليث عنه.


(١) المسند (ج ٢ ص ٤٨)
(٢) زجج موضعها: سوى موضع النقر وأصلحه.

<<  <  ج: ص:  >  >>