﴿وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا﴾ للأداء، لحقيقة قوله الشهداء، والشاهد حقيقة فيمن تحمل، فإذا دعي لأدائها فعليه الإجابة إذا تعينت وإلا فهو فرض كفاية، والله أعلم، وقال مجاهد وأبو مجلز وغير واحد: إذا دعيت لتشهد فأنت بالخيار، وإذا شهدت فدعيت فأجب، وقد ثبت في صحيح مسلم والسنن من طريق مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن زيد بن خالد، أن رسول الله ﷺ، قال «ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها» فأما الحديث الآخر في الصحيحين «ألا أخبركم بشر الشهداء؟ الذين يشهدون قبل أن يستشهدوا» وكذا قوله:
«ثم يأتي قوم تسبق أيمانهم شهادتهم، وتسبق شهادتهم أيمانهم» وفي رواية «ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون» وهؤلاء شهود الزور، وقد روي عن ابن عباس والحسن البصري أنها تعم الحالين التحمل، والأداء.
وقوله: ﴿وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ﴾ هذا من تمام الإرشاد وهو الأمر بكتابة الحق صغيرا كان أو كبيرا، فقال: ولا تسأموا أي لا تملوا أن تكتبوا الحق على أي حال كان من القلة والكثرة إلى أجله، وقوله: ﴿ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا﴾ أي هذا الذي أمرناكم به من الكتابة للحق إذا كان مؤجلا هو أقسط عند الله، أي أعدل وأقوم للشهادة، أي أثبت للشاهد إذا وضع خطه ثم رآه تذكر به الشهادة، لاحتمال أنه لو لم يكتبه أن ينساه، كما هو الواقع غالبا ﴿وَأَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا﴾ وأقرب إلى عدم الريبة بل ترجعون عند التنازع إلى الكتاب الذي كتبتموه فيفصل بينكم بلا ريبة.
وقوله: ﴿إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاّ تَكْتُبُوها﴾ أي إذا كان البيع بالحاضر يدا بيد، فلا بأس بعدم الكتابة لانتفاء المحذور في تركها.
فأما الإشهاد على البيع فقد قال تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ﴾ قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثني يحيى بن عبد الله بن بكر، حدثني ابن لهيعة، حدثني عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، في قوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ﴾ يعني أشهدوا على حقكم إذا كان في أجل أو لم يكن فيه أجل، فأشهدوا على حقكم على كل حال، قال وروي عن جابر بن زيد ومجاهد وعطاء والضحاك نحو ذلك، وقال الشعبي والحسن: هذا الأمر منسوخ بقوله: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ﴾ وهذا الأمر محمول عند الجمهور على الإرشاد والندب لا على الوجوب، والدليل على ذلك حديث خزيمة بن ثابت الأنصاري، وقد رواه الإمام أحمد (١): حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب عن الزهري، حدثني عمارة بن خزيمة الأنصاري أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي ﷺ. أن النبي ﷺ، ابتاع فرسا من أعرابي،