للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث ابن عباس في ذلك: قال الإمام أحمد (١): حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن آدم بن سليمان، سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية ﴿وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ﴾ قال دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء، قال:

فقال رسول الله «قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا» فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ إلى قوله ﴿فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ﴾ وهكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شبية وأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم، ثلاثتهم عن وكيع به، وزاد ﴿رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا﴾ قال: قد فعلت ﴿رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا﴾ قال: قد فعلت ﴿رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ﴾ قال: قد فعلت ﴿وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ﴾ قال: قد فعلت.

طريق أخرى عن ابن عباس. قال الإمام أحمد (٢): حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن حميد الأعرج، عن مجاهد، قال: دخلت على ابن عباس، فقلت: يا أبا عباس، كنت عند ابن عمر فقرأ هذه الآية فبكى، قال: أية آية؟ قلت ﴿وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ قال ابن عباس:

إن هذه الآية حين أنزلت، غمت أصحاب رسول الله غما شديدا وغاظتهم غيظا شديدا، وقالوا: يا رسول الله هلكنا إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا وبما نعمل، فأما قلوبنا فليست بأيدينا، فقال لهم رسول الله : «قولوا سمعنا وأطعنا» فقالوا سمعنا وأطعنا، قال: فنسختها هذه الآية ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ﴾ إلى ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ﴾ فتجوز لهم عن حديث النفس وأخذوا بالأعمال.

طريق أخرى عنه (٣). قال ابن جرير (٤): حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن مرجانة، سمعه يحدث: أنه بينما هو جالس سمع عبد الله بن عمر تلا هذه الآية ﴿لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ﴾ الآية، فقال: والله لئن وأخذنا الله بهذا لنهلكن، ثم بكى ابن عمر حتى سمع نشيجه، قال ابن مرجانة: فقمت حتى أتيت ابن عباس، فذكرت له ما قال ابن عمر وما فعل حين تلاها، فقال ابن عباس: يغفر الله لأبي عبد الرحمن لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وجد عبد الله بن عمر، فأنزل الله بعدها ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها﴾ إلى آخر السورة. قال ابن عباس: فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها،


(١) المسند (ج ١ ص ٢٣٣) وصحيح مسلم (إيمان حديث ١٩٩، ٢٠٠)
(٢) المسند (ج ١ ص ٣٣٢)
(٣) أي عن ابن عباس.
(٤) تفسير الطبري ٣/ ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>