للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير: ﴿وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ﴾ الذي أراد ما أراد ﴿إِلاَّ اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ﴾، ثم ردوا تأويل المتشابهات على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد، فاتسق بقولهم الكتاب وصدق بعضه بعضا، فنفذت الحجة، وظهر به العذر، وزاح به الباطل، ودفع به الكفر، وفي الحديث أن رسول الله دعا لابن عباس، فقال «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل».

ومن العلماء من فصل في هذا المقام وقال: التأويل يطلق، ويراد به في القرآن معنيان:

أحدهما التأويل بمعنى حقيقة الشيء وما يؤول أمره إليه، ومنه قوله تعالى: ﴿وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ﴾ [يوسف: ١٠٠] وقوله ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ [الأعراف: ٥٣] أي حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد، فإن أريد بالتأويل هذا فالوقف على الجلالة لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجلية إلا الله ﷿، ويكون قوله ﴿وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ مبتدأ و ﴿يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ﴾ خبره، وأما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر، وهو التفسير والبيان والتعبير عن الشيء كقوله ﴿نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ﴾ أي بتفسيره، فإن أريد به هذا المعنى، فالوقف على ﴿وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علما بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه، وعلى هذا يكون قوله:

﴿يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ﴾ حالا منهم، وساغ هذا، وهو أن يكون من المعطوف دون المعطوف عليه، كقوله ﴿لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ﴾ -إلى قوله- ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا﴾ [الحشر: ٨ - ١٠]، وقوله تعالى: ﴿وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر:٢٢] أي وجاءت الملائكة صفوفا صفوفا.

وقوله إخبارا عنهم ﴿يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ﴾، أي المتشابه، ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا﴾ أي الجميع من المحكم والمتشابه حق وصدق، وكل واحد منهما يصدق الآخر ويشهد له، لأن الجميع من عند الله وليس شيء من عند الله بمختلف ولا متضاد، لقوله: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾ [النساء: ٨٢]، ولهذا قال تعالى: ﴿وَما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾ أي إنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها أولوا العقول السليمة والفهوم المستقيمة.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحمصي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا فياض الرقي، حدثنا عبد الله بن يزيد وكان قد أدرك أصحاب النبي أنسا وأبا أمامة وأبا الدرداء قال: حدثنا أبو الدرداء أن رسول الله ، سئل عن الراسخين في العلم، فقال: «من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، ومن أعفّ بطنه وفرجه، فذلك من الراسخين في العلم».

<<  <  ج: ص:  >  >>