للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن تعاطي الربا وأكله أضعافا مضاعفة كما كانوا في الجاهلية يقولون: إذا حل أجل الدين، إما أن تقضي وإما أن تربي، فإن قضاه، وإلا زاده في المدة، وزاده الآخر في القدر، وهكذا كل عام فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيرا مضاعفا، وأمر تعالى عباده بالتقوى لعلهم يفلحون في الأولى والأخرى، ثم توعدهم بالنار وحذرهم منها، فقال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ثم ندبهم إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات، فقال تعالى: ﴿وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي كما أعدت النار للكافرين، وقد قيل إن معنى قوله ﴿عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ﴾ تنبيها على اتساع طولها، كما قال في صفة فرش الجنة ﴿بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ [الرحمن: ٥٤] أي فما ظنك بالظهائر؟، وقيل: بل عرضها كطولها لأنها قبة تحت العرش، والشيء المقبب والمستدير عرضه كطوله، وقد دل على ذلك ما ثبت في الصحيح «إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وسقفها عرش الرحمن» وهذه الآية كقوله تعالى في سورة الحديد ﴿سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد: ٢١].

وقد روينا في مسند الإمام أحمد أن هرقل كتب إلى النبي إنك دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض، فأين النار؟ فقال النبي «سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار؟».

وقد رواه ابن جرير (١) فقال: حدثني يونس، أنبأنا ابن وهب، أخبرني مسلم بن خالد عن أبي خثيم، عن سعيد بن أبي راشد، عن يعلى بن مرة، قال: لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله بحمص شيخا كبيرا قد فسد (٢)، فقال: قدمت على رسول الله بكتاب هرقل فناول الصحيفة رجلا عن يساره، قال: قلت: من صاحبكم الذي يقرأ؟ قالوا: معاوية، فإذا كتاب صاحبي: إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدّت للمتقين، فأين النار؟ قال: فقال رسول الله «سبحان الله، فأين الليل إذا جاء النهار؟».

وقال الأعمش وسفيان الثوري وشعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب: إن ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن جنة عرضها السموات والأرض، فأين النار؟ فقال لهم عمر: أرأيتم إذا جاء النهار أين الليل؟ وإذا جاء الليل أين النهار؟ فقالوا: لقد نزعت مثلها من التوراة، رواه ابن جرير (٣) من ثلاثة طرق، ثم قال: حدثنا أحمد بن حازم، حدثنا أبو نعيم، حدثنا جعفر بن برقان، أنبأنا يزيد بن الأصم: أن رجلا من أهل الكتاب قال: يقولون


(١) تفسير الطبري ٣/ ٤٣٦.
(٢) كذا. وفي الطبري «فنّد» بضم الفاء وتشديد النون المكسورة مبنيا للمجهول، بمعنى قد نسب إلى الفند (بفتحتين) وهو العجز والخرف.
(٣) تفسير الطبري ٣/ ٤٣٦ - ٤٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>