للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن أبي نجيح عن أبيه: أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه فقال له: يا فلان أشعرت أن محمدا قد قتل، فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل فقد بلغ، فقاتلوا عن دينكم، فنزل ﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة.

ثم قال تعالى منكرا على من حصل له ضعف ﴿أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ﴾ أي رجعتم القهقرى ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرِينَ﴾ أي الذين قاموا بطاعته وقاتلوا عن دينه، واتبعوا رسوله حيا وميتا. وكذلك ثبت في الصحاح والمساند والسنن وغيرها من كتب الإسلام من طرق متعددة تفيد القطع، وقد ذكرت ذلك في مسندي الشيخين أبي بكر وعمر أن الصديق ، تلا هذه الآية لما مات رسول الله .

وقال البخاري (١): حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، أخبرني أبو سلمة أن عائشة ، أخبرته أن أبا بكر ، أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فتيمم رسول الله وهو مغشى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه وقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متّها.

وقال الزهري: حدثني أبو سلمة عن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يحدّث الناس فقال:

اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فأقبل الناس إليه وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد من كان يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال الله تعالى:

﴿وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ -إلى قوله- ﴿وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرِينَ﴾ قال:

فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها عليهم أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم فما سمعها بشر من الناس إلا تلاها، وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت (٢) حتى ما تقلني رجلاي، وحتى هويت إلى الأرض.

وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد، حدثنا أسباط بن نصر عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن عليا كان يقول في حياة رسول الله ﴿أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ﴾ والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل لأقتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه، فمن أحق به مني؟


(١) صحيح البخاري (جنائز باب ٣)
(٢) عقر الرجل: بقي مكانه لم يتقدم أو يتأخر لفزع أصابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>