للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: وكم من نبي قتل بين يديه من أصحابه ربيون كثير، وكلام ابن إسحاق في السيرة (١) يقتضي قولا آخر، فإنه قال: وكأين من نبي أصابه القتل ومعه ربيون أي جماعات (٢) فما وهنوا بعد نبيهم، وما ضعفوا عن عدوهم، وما استكانوا لما أصابهم في الجهاد عن الله وعن دينهم، وذلك الصبر ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ﴾.

فجعل قوله ﴿مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ حالا، وقد نصر هذا القول السهيلي وبالغ فيه، وله اتجاه لقوله ﴿فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ﴾ الآية، وكذا حكاه الأموي في مغازيه عن كتاب محمد بن إبراهيم ولم يحك غيره.

وقرأ بعضهم (٣) ﴿قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ قال سفيان الثوري، عن عاصم، عن زر عن ابن مسعود ﴿رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ أي ألوف، وقال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والسدي والربيع وعطاء الخراساني: الربيون الجموع الكثيرة وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن ﴿رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ أي علماء كثير، وعنه أيضا: علماء صبر أبرار وأتقياء. وحكى ابن جرير (٤) عن بعض نحاة البصرة أن الربيين هم الذين يعبدون الرب ﷿، قال: ورد بعضهم (٥) عليه فقال: لو كان كذلك لقيل: الربيون بفتح الراء، وقال ابن زيد: الربيون الأتباع والرعية، والربانيون الولاة.

﴿فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا﴾ قال قتادة والربيع بن أنس ﴿وَما ضَعُفُوا﴾ بقتل نبيهم ﴿وَمَا اسْتَكانُوا﴾ يقول: فما ارتدوا عن بصيرتهم ولا عن دينهم أن قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله، وقال ابن عباس ﴿وَمَا اسْتَكانُوا﴾ تخشعوا، وقال السدي وابن زيد: وما ذلوا لعدوهم، وقال محمد بن إسحاق والسدي وقتادة: أي ما أصابهم ذلك حين قتل نبيهم ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ* وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ﴾ أي لم يكن لهم هجّيرى (٦) إلا ذلك ﴿فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا﴾ أي النصر والظفر والعاقبة ﴿وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ﴾ أي جمع لهم ذلك مع هذا ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.


(١) سيرة ابن هشام ٢/ ١١٢.
(٢) في السيرة: «أي جماعة-فما وهنوا لفقد نبيهم».
(٣) قال القرطبي في تفسيره (٤/ ٢٢٩): «قاتل» هي قراءة الكوفيين وابن عامر وابن مسعود، واختارها أبو عبيد وقال: إن الله إذا حمد من قاتل كان من قتل داخلا فيه، وإذا حمد من قتل لم يدخل فيه غيرهم؛ فقاتل أتمّ وأمدح.
(٤) تفسير الطبري ٣/ ٤٦١.
(٥) هم بعض نحويي الكوفة، كما في الطبري.
(٦) الهجيرى: الدأب والشأن.

<<  <  ج: ص:  >  >>