للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالقرآن لأنه هو في نفسه هدى ولكن لا يناله إلا الأبرار كما قال تعالى ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٥٧] وقد قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرّة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله ﴿هُدىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ يعني نورا للمتقين. وقال أبو روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: هدى للمتقين قال: هم المؤمنون الذين يتقون الشرك بي ويعملون بطاعتي. وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ قال: الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به. وقال سفيان الثوري عن رجل عن الحسن البصري: قوله تعالى للمتقين قال: اتقوا ما حرم الله عليهم وأدّوا ما افترض عليهم. وقال أبو بكر بن عياش: سألني الأعمش عن المتقين قال: فأجبته فقال لي: سل عنها الكلبي، فسألته فقال: الذين يجتنبون كبائر الإثم قال: فرجعت إلى الأعمش فقال: يرى أنه كذلك ولم ينكره. وقال قتادة: للمتقين هم الذين نعتهم الله بقوله ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ الآية والتي بعدها (١)، واختيار ابن جرير أن الآية تعم ذلك كله وهو كما قال (٢). وقد روى الترمذي وابن ماجة من رواية أبي عقيل عن عبد الله بن يزيد عن ربيعة بن يزيد وعطية بن قيس عن عطية السعدي قال: قال رسول الله «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس» ثم قال الترمذي: حسن غريب. وقال ابن أبي حاتم: حدّثنا أبي حدّثنا عبد الله بن عمران عن إسحاق بن سليمان يعني الرازي عن المغيرة بن مسلم عن ميمون أبي حمزة قال: كنت جالسا عند أبي وائل فدخل علينا رجل يقال له أبو عفيف من أصحاب معاذ فقال له شقيق بن سلمة: يا أبا عفيف ألا تحدّثنا عن معاذ بن جبل؟ قال: بلى، سمعته يقول: يحبس الناس يوم القيامة في بقيع واحد فينادي مناد أين المتقون؟ فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر.

قلت: من المتقون؟ قال: قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله العبادة فيمرون إلى الجنة. ويطلق الهدى ويراد به ما يقرّ في القلب من الإيمان وهذا لا يقدر على خلقه في قلوب العباد إلا الله ﷿ قال الله تعالى ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] وقال ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٢] وقال ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ﴾ [الأعراف: ١٨٦] وقال ﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً﴾ [الإسراء: ٩٧] إلى غير ذلك من الآيات ويطلق ويراد به بيان الحق وتوضيحه والدلالة عليه والإرشاد قال الله تعالى ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] وقال ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ [الرعد: ٧] وقال


(١) أي الآية التي بعد ذلِكَ الْكِتابُ … هُدىً لِلْمُتَّقِينَ فهي تفسر ما قبلها، وهو تفسير القرآن بالقرآن، وهو الأكثر اعتبارا في مذاهب التأويل.
(٢) تفسير الطبري ١/ ١٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>