للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المديني به. وقد رواه البيهقي أيضا من حديث أبي عبادة الأنصاري وهو عيسى بن عبد الرحمن إن شاء الله عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال النبي لجابر «يا جابر ألا أبشرك» قال: بلى، بشرك الله بالخير، قال «شعرت أن الله أحيا أباك، فقال: تمن عليّ عبدي ما شئت أعطكه، قال: يا رب ما عبدتك حق عبادتك، أتمنى عليك أن تردني إلى الدنيا فأقاتل مع نبيك وأقتل فيك مرة أخرى، قال: إنه سلف مني إنه إليها لا يرجع».

حديث آخر: قال الإمام أحمد (١): حدثنا يعقوب، حدثنا أبي عن ابن إسحاق، حدثنا الحارث بن فضيل الأنصاري عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس ، قال: قال رسول الله «الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا» تفرد به أحمد. وقد رواه ابن جرير (٢) عن أبي كريب: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان وعبيدة عن محمد بن إسحاق به، وهو إسناد جيد.

وكأن الشهداء أقسام: منهم من تسرح أرواحهم في الجنة، ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة، وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر، فيجتمعون هنالك، ويغدى عليهم برزقهم هناك ويراح، والله أعلم-وقد روينا في مسند الإمام أحمد حديثا فيه البشارة لكل مؤمن بأن روحه تكون في الجنة تسرح أيضا فيها، وتأكل من ثمارها، وترى ما فيها من النضرة والسرور، وتشاهد ما أعده الله لها من الكرامة، وهو بإسناد صحيح عزيز عظيم، اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة، فإن الإمام أحمد ، رواه عن محمد بن إدريس الشافعي ، عن مالك بن أنس الأصبحي ، عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه ، قال: قال رسول الله «نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه» (٣) قوله «يعلق» أي يأكل، وفي هذا الحديث «إن روح المؤمن تكون على شكل طائر في الجنة» وأما أرواح الشهداء فكما تقدم في حواصل طير خضر، فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين، فإنها تطير بأنفسها، فنسأل الله الكريم المنان أن يميتنا على الإيمان.

وقوله تعالى: ﴿فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ﴾ إلى آخر الآية، أي الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله أحياء عند ربهم، وهم فرحون بما هم فيه من النعمة والغبطة، ومستبشرون بإخوانهم الذين يقتلون بعدهم في سبيل الله أنهم يقدمون عليهم، وأنهم لا يخافون مما أمامهم ولا يحزنون على ما تركوه وراءهم، نسأل الله الجنة.


(١) مسند أحمد ١/ ٢٦٦.
(٢) تفسير الطبري ٣/ ٥١٣.
(٣) مسند أحمد ٣/ ٤٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>