للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْإِيمَانُ التَّصْدِيقُ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:

يُؤْمِنُونَ: يُصَدِّقُونَ. وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: الْإِيمَانُ الْعَمَلُ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ يُؤْمِنُونَ: يَخْشَوْنَ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونُوا مَوْصُوفِينَ بِالْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ قَوْلًا وعملا واعتقادا قَالَ: وَقَدْ تَدْخُلُ الْخَشْيَةُ لِلَّهِ فِي مَعْنَى الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ تَصْدِيقُ الْقَوْلِ بِالْعَمَلِ، وَالْإِيمَانُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِلْإِقْرَارِ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَتَصْدِيقُ الْإِقْرَارِ بِالْفِعْلِ (قُلْتُ) أَمَّا الْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ فَيُطْلَقُ عَلَى التَّصْدِيقِ الْمَحْضِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْقُرْآنِ وَالْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ [التَّوْبَةِ: ٦١] وَكَمَا قَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ لِأَبِيهِمْ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ [يُوسُفَ:

١٧] وَكَذَلِكَ إِذَا اسْتُعْمِلَ مقرونا مع الأعمال كقوله تعالى إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [الشعراء: ٢٢٧] فَأَمَّا إِذَا اسْتُعْمِلَ مُطْلَقًا فَالْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ الْمَطْلُوبُ لَا يَكُونُ إِلَّا اعْتِقَادًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا. هَكَذَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ بَلْ قَدْ حَكَاهُ الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيدة وَغَيْرُ وَاحِدٍ إِجْمَاعًا: أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ وأحاديث أفردنا الْكَلَامَ فِيهَا فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. ومنهم من فسره بالخشية كقوله تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ [الْمُلْكِ: ١٢] وَقَوْلِهِ: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق: ٣٣] وَالْخَشْيَةُ خُلَاصَةُ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فَاطِرٍ: ٢٨] وقال بعضهم: يؤمنون بالغيب كما يؤمنون بالشهادة، وليسوا كما قال تعالى عن المنافقين وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [البقرة: ١٤] وقال: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ [المنافقون: ١] فعلى هذا يكون قوله بالغيب حالا أي في حال كونهم غيبا عن الناس.

وَأَمَّا الْغَيْبُ الْمُرَادُ هَاهُنَا فَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ السَّلَفِ فِيهِ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ تَرْجِعُ إِلَى أَنَّ الْجَمِيعَ مُرَادٌ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قوله تعالى: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ قال: ويؤمنون بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَنَّتِهِ وَنَارِهِ وَلِقَائِهِ وَيُؤْمِنُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَبِالْبَعْثِ، فَهَذَا غَيْبٌ كُلُّهُ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا الْغَيْبُ فَمَا غَابَ عَنِ الْعِبَادِ مِنْ أَمْرِ الْجَنَّةِ وَأَمْرِ النَّارِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (بِالْغَيْبِ) قَالَ: بِمَا جَاءَ مِنْهُ- يَعْنِي مِنَ اللَّهِ تَعَالَى- وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. عَنْ عَاصِمٍ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>