للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿باطِلاً﴾ أي ما خلقت هذا الخلق عبثا، بل بالحق لتجزي الذين أساؤوا بما عملوا، وتجزي الذين أحسنوا بالحسنى. ثم نزهوه عن العبث وخلق الباطل، فقالوا ﴿سُبْحانَكَ﴾ أي عن أن تخلق شيئا باطلا ﴿فَقِنا عَذابَ النّارِ﴾ أي يا من خلق الخلق بالحق والعدل، يا من هو منزه عن النقائص والعيب والعبث، قنا من عذاب النار بحولك وقوتك وقيضنا لأعمال ترضى بها عنا، ووفقنا لعمل صالح تهدينا به إلى جنات النعيم، وتجيرنا به من عذابك الأليم.

ثم قالوا ﴿رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ أي أهنته وأظهرت خزيه لأهل الجمع ﴿وَما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ﴾ أي يوم القيامة لا مجير لهم منك. ولا محيد لهم عما أردت بهم ﴿رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ﴾ أي داعيا يدعو إلى الإيمان، وهو الرسول ﴿أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنّا﴾ أي يقول آمنوا بربكم فآمنا، أي فاستجبنا له واتبعناه، أي بإيماننا واتباعنا نبيك، ﴿رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا﴾ أي استرها، ﴿وَكَفِّرْ عَنّا سَيِّئاتِنا﴾ فيما بيننا وبينك، ﴿وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ﴾ أي ألحقنا بالصالحين، ﴿رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ﴾ قيل: معناه على الإيمان برسلك، وقيل: معناه على ألسنة رسلك. وهذا أظهر.

وقد قال الإمام أحمد (١): حدثنا أبو اليمان، حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمرو بن محمد، عن أبي عقال، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله «عسقلان أحد العروسين يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفا لا حساب عليهم، ويبعث منها خمسين ألفا شهداء وفودا إلى الله، وبها صفوف الشهداء رؤوسهم مقطعة في أيديهم تثج (٢) أوداجهم دما، يقولون ﴿رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ﴾ فيقول الله: صدق عبيدي اغسلوهم بنهر البيضة. فيخرجون منه نقاء بيضا. فيسرحون في الجنة حيث شاؤوا» وهذا الحديث يعد من غرائب المسند، ومنهم من يجعله موضوعا، والله أعلم.

﴿وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ أي على رؤوس الخلائق، ﴿إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ﴾ أي لا بد من الميعاد الذي أخبرت عنه رسلك وهو القيام يوم القيامة بين يديك، وقد قال الحافظ أبو يعلى:

حدثنا الحارث بن سريج، حدثنا المعتبر، حدثنا الفضل بن عيسى، حدثنا محمد بن المنكدر أن جابر بن عبد الله حدثه أن رسول الله قال «العار والتخزية تبلغ من ابن آدم في القيامة في المقام بين يدي الله ﷿ ما يتمنى العبد أن يؤمر به إلى النار» حديث غريب.

وقد ثبت أن رسول الله كان يقرأ هذه الآيات العشر من آخر آل عمران إذا قام من الليل لتهجده، فقال البخاري (٣) : حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر،


(١) مسند أحمد ٣/ ٢٢٥)
(٢) تثج: تسيل.
(٣) صحيح البخاري (تفسير سورة آل عمران باب ١٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>