للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [البقرة: ١٢١]. وقد قال تعالى:

﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٩]، وقال تعالى: ﴿لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾ [آل عمران: ١١٣]، وقال تعالى: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾ [الإسراء: ١٠٧] وهذه الصفات توجد في اليهود، ولكن قليلا كما وجد في عبد الله بن سلام وأمثاله ممن آمن من أحبار اليهود، ولم يبلغوا عشرة أنفس، وأما النصارى فكثير منهم يهتدون وينقادون للحق، كما قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى﴾ [المائدة: ٨٢] إلى قوله تعالى: ﴿فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها﴾، وهكذا قال هاهنا ﴿أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ الآية.

وقد ثبت في الحديث أن جعفر بن أبي طالب ، لما قرأ سورة ﴿كهيعص﴾ بحضرة النجاشي ملك الحبشة وعنده البطاركة والقساوسة، بكى وبكوا معه حتى أخضبوا لحاهم، وثبت في الصحيحين أن النجاشي لما مات نعاه النبي إلى أصحابه وقال «إن أخا لكم بالحبشة قد مات، فصلوا عليه» فخرج إلى الصحراء فصفّهم وصلى عليه.

وروى ابن أبي حاتم والحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: لما توفي النجاشي قال رسول الله «استغفروا لأخيكم» فقال بعض الناس: يأمرنا أن نستغفر لعلج مات بأرض الحبشة، فنزلت ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ﴾ الآية، ورواه عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق أخرى عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن الحسن عن النبي ، ثم رواه ابن مردويه من طرق عن حميد، عن أنس بن مالك، بنحو ما تقدم ورواه أيضا ابن جرير من حديث أبي بكر الهذلي عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن جابر، قال: قال رسول الله حين مات النجاشي «إن أخاكم أصحمة قد مات»، فخرج رسول الله فصلى كما يصلي على الجنائز فكبر عليه أربعا، فقال المنافقون: يصلي على علج (١) مات بأرض الحبشة، فأنزل الله ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ﴾ الآية (٢).

وقال أبو داود (٣): حدثنا محمد بن عمرو الرازي، حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق، حدثني يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة ، قالت: لما مات


(١) العلج: الرجل من كفار العجم. الجمع: علوج وأعلاج.
(٢) تفسير الطبري ٣/ ٥٥٨.
(٣) سنن أبي داود (جهاد باب ٢٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>