للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الفقهاء: إن كان ورثة الميت أغنياء، استحب للميت أن يستوفي في وصيته الثلث، وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص الثلث، وقيل: المراد بالآية فليتقوا الله في مباشرة أموال اليتامى ولا يأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا، حكاه ابن جرير (١) من طريق العوفي عن ابن عباس، وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد في أكل أموال اليتامى ظلما، أي كما تحب أن تعامل ذريتك من بعدك، فعامل الناس في ذراريهم إذا وليتهم.

ثم أعلمهم أن من أكل أموال اليتامى ظلما، فإنما يأكل في بطنه نارا؛ ولهذا قال ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾ أي إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سبب فإنهما يأكلون نارا تتأجج في بطونهم يوم القيامة، وفي الصحيحين من حديث سليمان بن بلال عن ثور بن زيد، عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة أن رسول الله قال:

«اجتنبوا السبع الموبقات» قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» (٢) وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبيدة، أخبرنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمّي، حدثنا أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري، قال:

قلنا: يا رسول الله، ما رأيت ليلة أسري بك؟ قال «انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير.

رجال كل رجل منهم له مشفران كمشفري البعير، وهو موكل بهم رجال يفكون لحاء أحدهم، ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف في فيّ أحدهم حتى يخرج من أسفله، ولهم خوار وصراخ، قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما، إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا» وقال السدي (٣): يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه، يعرفه كل من رآه بأكل مال اليتيم. وقال ابن مردويه:

حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، حدثنا أحمد بن عمرو، حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا زياد بن المنذر عن نافع بن الحارث، عن أبي برزة أن رسول الله قال «يبعث يوم القيامة القوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا» قيل «يا رسول الله، من هم؟ قال «ألم تر أن الله قال ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً﴾ الآية»، رواه ابن أبي حاتم عن أبي زرعة، عن عقبة بن مكرم، وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أحمد بن علي بن المثنى عن عقبة بن مكرم. وقال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا أحمد بن عصام، حدثنا أبو عامر العبدي، حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري، عن عثمان بن محمد، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله «أحرج مال الضعيفين المرأة واليتيم» أي أوصيكم باجتناب


(١) تفسير الطبري ٣/ ٦١٤.
(٢) صحيح البخاري (وصايا باب ٢٣) ومسلم (إيمان حديث ١٤٤)
(٣) تفسير الطبري ٣/ ٦١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>