إذا كان هواه فيها، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، ثم أخذ يشنع على هذا القول ويرده ﴿فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ﴾ أي فتزوجوا من الإماء المؤمنات اللاتي يملكهن المؤمنون، ولهذا قال ﴿مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ﴾، قال ابن عباس وغيره: فلينكح من إماء المؤمنين، وكذا قال السدي ومقاتل بن حيان. ثم اعترض بقوله ﴿وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ أي هو العالم بحقائق الأمور وسرائرها، وإنما لكم أيها الناس الظاهر من الأمور؛ ثم ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ فدل على أن السيد هو ولي أمته لا تزوج إلا بإذنه، وكذلك هو ولي عبده ليس له أن يتزوج بغير إذنه، كما جاء في الحديث «أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر» أي زان. فإن كان مالك الأمة امرأة زوجها من يزوج المرأة بإذنها لما جاء في الحديث «لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها»(١) وقوله تعالى:
﴿وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي وادفعوا مهورهن بالمعروف، أي عن طيب نفس منكم، ولا تبخسوا منه شيئا استهانة بهن لكونهن إماء مملوكات، وقوله تعالى: ﴿مُحْصَناتٍ﴾ أي عفائف عن الزنا لا يتعاطينه، ولهذا قال ﴿غَيْرَ مُسافِحاتٍ﴾ وهن الزواني اللاتي لا يمنعن من أرادهن بالفاحشة-وقوله تعالى: ﴿وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ﴾، قال ابن عباس: المسافحات هن الزواني المعلنات، يعني الزواني اللاتي لا يمنعن أحدا أرادهن بالفاحشة. و ﴿مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ﴾ يعني أخلاء، وكذا روي عن أبي هريرة ومجاهد والشعبي والضحاك وعطاء الخراساني ويحيى بن أبي كثير ومقاتل بن حيان والسدي، قالوا: أخلاء. وقال الحسن البصري: يعني الصديق. وقال الضحاك أيضا ﴿وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ﴾ ذات الخليل الواحد المقرة به، نهى الله عن ذلك. يعني تزويجها ما دامت كذلك.
وقوله تعالى: ﴿فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ﴾ اختلف القراء في أحصن، فقرأه بعضهم بضم الهمزة وكسر الصاد مبني لما لم يسم فاعله، وقرئ بفتح الهمزة والصاد فعل لازم، ثم قيل: معنى القراءتين واحد، واختلفوا فيه على قولين: أحدهما: أن المراد بالإحصان هاهنا الإسلام، وروي ذلك عن عبد الله بن مسعود وابن عمر وأنس والأسود بن يزيد وزر بن حبيش وسعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم النخعي والشعبي والسدي، وروى نحوه الزهري عن عمر بن الخطاب وهو منقطع، وهذا هو القول الذي نص عليه الشافعي في رواية الربيع، قال: وإنما قلنا ذلك، استدلالا بالسنة، وإجماع أكثر أهل العلم. وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثا مرفوعا، قال: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله، حدثنا أبي عن أبيه، عن أبي حمزة، عن جابر، عن رجل، عن أبي عبد الرحمن، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله ﷺ ﴿فَإِذا أُحْصِنَّ﴾ قال «إحصانها إسلامها وعفافها» وقال: المراد به هاهنا التزويج. قال: وقال