للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المرضى بعثكال نخل فيه مائة شمراخ (١)، وعلى جلد من زنى بأمة امرأته إذا أذنت له فيها مائة، وإنما ذلك تعزير وتأديب عند من يراه كأحمد وغيره من السلف. وإنما الحد الحقيقي هو جلد البكر مائة. ورجم الثيب أو اللائط، والله أعلم. وقد روى ابن ماجة وابن جرير (٢) في تفسيره: حدثنا ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقول: لا تضرب الأمة إذا زنت ما لم تتزوج، وهذا إسناد صحيح عنه، ومذهب غريب إن أراد أنها لا تضرب الأمة أصلا لاحدا، وكأنه أخذ بمفهوم الآية ولم يبلغه الحديث، وإن أراد أنها لا تضرب حدا، ولا ينفي ضربها تأديبا فهو كقول ابن عباس ومن تبعه في ذلك، والله أعلم.

الجواب الثالث: أن الآية دلت على أن الأمة المحصنة تحد نصف حد الحرة، فأما قبل الإحصان فعمومات الكتاب والسنة شاملة لها في جلدها مائة، كقوله تعالى: ﴿الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢] وكحديث عبادة بن الصامت «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة ورجمها بالحجارة» والحديث في صحيح مسلم (٣) وغير ذلك من الأحاديث. وهذا القول هو المشهور عن داود بن علي الظاهري وهو في غاية الضعف، لأن الله تعالى إذا كان أمر بجلد المحصنة من الإماء بنصف ما على الحرة من العذاب، وهو خمسون جلدة، فكيف يكون حكمها قبل الإحصان أشد منه بعد الإحصان وقاعدة الشريعة في ذلك عكس ما قال؟ وهذا الشارع سأله أصحابه عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، فقال: اجلدوها، ولم يقل:

مائة، فلو كان حكمها كما زعم داود لوجب بيان ذلك لهم، لأنهم إنما سألوا عن ذلك لعدم بيان حكم جلد المائة بعد الإحصان في الإماء، وإلا فما الفائدة في قولهم: ولم تحصن لعدم الفرق بينهما لو لم تكن الآية نزلت، لكن لما علموا حكم أحد الحكمين سألوا عن حكم الآخر فبينه لهم، كما في الصحيحين أنهم لما سألوه عن الصلاة عليه فذكرها لهم، ثم قال «والسلام ما قد علمتم» وفي لفظ لما أنزل الله قوله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: ٥٦] قالوا: هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك وذكر الحديث وهكذا هذا السؤال.

الجواب الرابع: عن مفهوم الآية جواب أبي ثور وهو أغرب من قول داود من وجوه، وذلك أنه يقول: فإذا أحصن فإن عليهن نصف ما على المحصنات المزوجات وهو الرجم، وهو


(١) العثكال والعثكول: العذق عليه البسر، وهو من النخل كالعنقود من الكرم. والشمراخ: غصن دقيق ينبت في أعلى الغصن الغليظ. فالعثكال يتكون عادة من شماريخ عدة.
(٢) تفسير الطبري ٤/ ٢٦.
(٣) صحيح مسلم (حدود حديث ١٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>