للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن جرير (١): حدثنا بشر بن معاذ، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد عن قتادة ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ الآية: إنما وعد الله المغفرة لمن اجتنب الكبائر؛ وذكر لنا أن النبي قال «اجتنبوا الكبائر، وسدودا، وأبشروا».

وقد روى ابن مردويه من طرق عن أنس وعن جابر مرفوعا «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»، ولكن في إسناده من جميع طرقه ضعف، إلا ما رواه عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» فإنه إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد رواه أبو عيسى الترمذي منفردا به من هذا الوجه عن عباس العنبري، عن عبد الرزاق، ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، وفي الصحيح شاهد لمعناه وهو قوله بعد ذكر الشفاعة «أترونها للمؤمنين المتقين؟ لا ولكنها للخاطئين المتلوثين» (٢).

وقد اختلف علماء الأصول والفروع في حد الكبيرة، فمن قائل: هي ما عليه حد في الشرع، ومنهم من قال: هي ما عليه وعيد مخصوص من الكتاب والسنة، وقيل غير ذلك. قال أبو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي في كتابه الشرح الكبير الشهير في كتاب الشهادات منه: ثم اختلف الصحابة فمن بعدهم في الكبائر وفي الفرق بينها وبين الصغائر، ولبعض الأصحاب في تفسير الكبيرة وجوه: أحدها: أنها المعصية الموجبة للحد. والثاني:

أنها المعصية التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص كتاب أو سنة، وهذا أكثر ما يوجد لهم، وهو إلى الأول أميل، لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفسير الكبائر. والثالث: قال إمام الحرمين في الإرشاد وغيره: كل جريمة تنبئ بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة، فهي مبطلة للعدالة. والرابع: ذكر القاضي أبو سعيد الهروي أن الكبيرة كل فعل نص الكتاب على تحريمه وكل معصية توجب في جنسها حدا من قتل أو غيره، وترك كل فريضة مأمور بها على الفور والكذب في الشهادة والرواية واليمين، هذا ما ذكروه على سبيل الضبط، ثم قال: وفصل القاضي الروياني فقال: الكبائر سبع: قتل النفس بغير الحق، والزنا، واللواطة، وشرب الخمر، والسرقة، وأخذ المال غصبا، والقذف، وزاد في الشامل على السبع المذكورة: شهادة الزور، وأضاف إليها صاحب العدة: أكل الربا والإفطار في رمضان بلا عذر، واليمين الفاجرة، وقطع الرحم، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم، والخيانة في الكيل والوزن، وتقديم الصلاة على وقتها، وتأخيرها عن وقتها بلا عذر، وضرب المسلم بلا حق، والكذب على رسول الله عمدا، وسب أصحابه، وكتمان الشهادة بلا عذر، وأخذ الرشوة، والقيادة بين الرجال والنساء، والسعاية عند السلطان، ومنع الزكاة، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة، ونسيان القرآن بعد تعلمه، وإحراق الحيوان بالنار، وامتناع


(١) تفسير الطبري ٤/ ٤٧.
(٢) مسند أحمد ٢/ ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>