للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ﴾ فلم يقرأها كما ينبغي، فأنزل الله ﷿ ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى﴾ ثم قال: حدثني المثنى، حدثنا الحجاج بن المنهال، حدثنا حماد عن عطاء بن السائب، عن عبد الرحمن بن حبيب وهو أبو عبد الرحمن السلمي: أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا، فدعا نفرا من أصحاب النبي فصلى بهم المغرب، فقرأ: قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، وأنا عابد ما عبدتم، لكم دينكم ولي دين، فأنزل الله ﷿ هذه الآية ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ﴾ وقال العوفي عن ابن عباس في الآية: إن رجالا كانوا يأتون الصلاة وهم سكارى قبل أن يحرم الخمر، فقال الله ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى﴾ الآية، رواه ابن جرير، وكذا قال أبو رزين ومجاهد. وقال عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة: كانوا يجتنبون السكر عند حضور الصلوات ثم نسخ بتحريم الخمر.

وقال الضحاك في الآية: لم يعن بها سكر الخمر وإنما عنى بها سكر النوم، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، ثم قال ابن جرير (١): والصواب أن المراد سكر الشراب، قال: ولم يتوجه النهي إلى السكران الذي لا يفهم الخطاب، لأن ذاك في حكم المجنون، وإنما خوطب بالنهي الثمل الذي يفهم التكليف، وهذا حاصل ما قاله، وقد ذكره غير واحد من الأصوليين، وهو أن الخطاب يتوجه إلى من يفهم الكلام دون السكران الذي لا يدري ما يقال له فإن الفهم شرط التكليف، وقد يحتمل أن يكون المراد التعريض بالنهي عن السكر بالكلية لكونهم مأمورين بالصلاة في الخمسة الأوقات من الليل والنهار، فلا يتمكن شارب الخمر من أداء الصلاة في أوقاتها دائما، والله أعلم، وعلى هذا فيكون كقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢] وهو الأمر لهم بالتأهب للموت على الإسلام والمداومة على الطاعة لأجل ذلك.

وقوله ﴿حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ﴾ هذا أحسن ما يقال في حد السكران أنه الذي لا يدري ما يقول، فإن المخمور فيه تخليط في القراءة وعدم تدبره وخشوعه فيها. وقد قال الإمام أحمد (٢): حدثنا عبد الصمد، حدثنا أبي، حدثنا أيوب عن أبي قلابة، عن أنس، قال: قال رسول الله «إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف فلينم حتى يعلم ما يقول» انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم، ورواه هو والنسائي من حديث أيوب به. وفي بعض ألفاظ الحديث «فلعله يذهب يستغفر فيسب نفسه».

وقوله: ﴿وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾ قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن


(١) تفسير الطبري ٤/ ٩٩.
(٢) مسند أحمد ١/ ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>