للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التيمم، وقد ذكروا كيفية الطلب في كتب الفروع، كما هو مقرر في موضعه، كما هو في الصحيحين من حديث عمران بن حصين: أن رسول الله رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم، فقال «يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم، ألست برجل مسلم» قال: بلى يا رسول الله، ولكن أصابتني جنابة ولا ماء، قال «عليك بالصعيد فإنه يكفيك» ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً﴾ فالتيمم في اللغة، هو القصد، تقول العرب:

تيممك الله بحفظه، أي قصدك، ومنه قول امرئ القيس شعرا: [الطويل] ولما رأت أن المنية وردها … وأن الحصى من تحت أقدامها دامي

تيممت العين التي عند ضارج … يفيء عليها الفيء عرمضها طامي (١)

والصعيد قيل: هو كل ما صعد على وجه الأرض، فيدخل فيه التراب والرمل والشجر والحجر والنبات، وهو قول مالك، وقيل: ما كان من جنس التراب، كالرمل والزرنيخ والنورة، وهذا مذهب أبي حنيفة، وقيل: هو التراب فقط، وهو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهما، واحتجوا بقوله تعالى: ﴿فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً﴾ [الكهف: ٤٠] أي ترابا أملس طيبا، وبما ثبت في صحيح مسلم، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله «فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء» وفي لفظ «وجعل ترابها لنا طهورا إذا لم نجد الماء» قالوا: فخصص الطهورية بالتراب، في مقام الامتنان، فلو كان غيره يقوم مقامه لذكره معه.

والطيب هاهنا قيل: الحلال، وقيل: الذي ليس بنجس، كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن، إلا ابن ماجة من حديث أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله «الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر حجج، فإذا وجده فليمسه بشرته فإن ذلك خير» وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان أيضا، ورواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده، عن أبي هريرة وصححه الحافظ أبو الحسن القطان، وقال ابن عباس: أطيب الصعيد تراب الحرث، رواه ابن أبي حاتم، ورفعه ابن مردويه في تفسيره.

وقوله: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾ التيمم بدل عن الوضوء في التطهر به، لا أنه بدل منه في جميع أعضائه، بل يكفي مسح الوجه واليدين فقط بالإجماع، ولكن اختلف الأئمة في كيفية التيمم على أقوال: أحدها وهو مذهب الشافعي في الجديد: أنه يجب أن يمسح الوجه


(١) رواية البيتين في ديوانه ص ٤٧٥: ولما رأت أن الشريعة همّها وأن البياض من فرائصها دام تيممت العين التي عند ضارج يفيء عليها الطلح عرمضها طام وهما في لسان العرب (ضرج، عرمض) ومقاييس اللغة ٣/ ٢٦٢ و ٤/ ٤٣٥ وتاج العروس (ضرج)

<<  <  ج: ص:  >  >>