للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليّ يا رسول الله، ففعل، ثم قال رسول الله : «وأخرى يرفع الله العبد بها مائة درجة في الجنة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض». قال: وما هي يا رسول الله؟ قال:

«الجهاد في سبيل الله»، رواه مسلم (١).

وقوله: ﴿عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي بتحريضك إياهم على القتال تنبعث هممهم على مناجزة الأعداء. ومدافعتهم عن حوزة الإسلام وأهله، ومقاومتهم ومصابرتهم.

وقوله تعالى: ﴿وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً﴾ أي هو قادر عليهم في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: ﴿ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾ [محمد: ٤].

وقوله: ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها﴾ أي من يسعى في أمر فيترتب عليه خير كان له نصيب من ذلك، ﴿وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها﴾ اي يكون عليه وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته، كما ثبت في الصحيح عن النبي ، أنه قال:

«اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء»، وقال مجاهد بن جبر: نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض. وقال الحسن البصري: قال الله تعالى: ﴿مَنْ يَشْفَعْ﴾ ولم يقل من يشفّع، وقوله: ﴿وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً﴾. قال ابن عباس وعطاء وعطية وقتادة ومطر الوراق ﴿مُقِيتاً﴾ أي حفيظا. وقال مجاهد: شهيدا، وفي رواية عنه: حسيبا. وقال سعيد بن جبير والسدي وابن زيد: قديرا. وقال عبد الله بن كثير: المقيت الواصب، وقال الضحاك المقيت الرزاق، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الرحيم بن مطرف، حدثنا عيسى بن يونس عن إسماعيل عن رجل. عن عبد الله بن رواحة، وسأله رجل عن قول الله تعالى: ﴿وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً﴾ قال: مقيت لكل إنسان بقدر عمله.

وقوله: ﴿وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها﴾ أي إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلم، فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة، قال ابن جرير (٢): حدثنا موسى بن سهل الرملي، حدثنا عبد الله بن السري الأنطاكي، حدثنا هشام بن لاحق عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي، قال: جاء رجل إلى النبي فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال: «وعليك السلام ورحمة الله»، ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله؛ فقال له رسول الله : «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته»؛ ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال له: «وعليك»، فقال له الرجل: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت عليّ فقال: «إنك لم تدع لنا شيئا، قال الله تعالى: ﴿وَإِذا حُيِّيتُمْ﴾


(١) صحيح مسلم (إمارة حديث ١١٦)
(٢) تفسير الطبري ٤/ ١٩٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>