للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام أحمد (١): أنبأنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله، عن رجل من الأنصار: أنه جاء بأمة سوداء، فقال: يا رسول الله: إن علي عتق رقبة مؤمنة، فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها، فقال لها رسول الله: «أتشهدين أن لا إله إلا الله؟» قالت: نعم.

قال: «أتشهدين أني رسول الله؟» قالت: نعم. قال: «أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟» قالت:

نعم. قال: «أعتقها». وهذا إسناد صحيح وجهالة الصحابي لا تضره، وفي موطأ مالك ومسند الشافعي وأحمد وصحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي من طريق هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم: أنه لما جاء بتلك الجارية السوداء، قال لها رسول الله : «أين الله؟ قالت: في السماء. قال: «من أنا» قالت: رسول الله ، قال:

«أعتقها، فإنها مؤمنة» (٢).

وقوله: ﴿وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ﴾ هو الواجب الثاني فيما بين القاتل وأهل القتيل عوضا لهم عما فاتهم من قتيلهم، وهذه الدية إنما تجب أخماسا، كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث الحجاج بن أرطاة عن زيد بن جبير، عن خشف بن مالك، عن ابن مسعود، قال: قضى رسول الله في دية الخطأ عشرين بنت مخاض، وعشرين بني مخاض ذكورا، وعشرين بنت لبون، وعشرين جذعة، وعشرين حقة (٣)، لفظ النسائي قال الترمذي: لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وقد روي عن عبد الله موقوفا، كما روي عن علي وطائفة، وقيل: تجب أرباعا وهذه الدية على العاقلة لا في ماله.

قال الشافعي : لم أعلم مخالفا أن رسول الله قضى بالدية على العاقلة (٤) وهو أكثر من حديث الخاصة، وهذا الذي أشار إليه قد ثبت في غير ما حديث، فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله فقضى أن دية جنينها غرة (٥) عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها وهذا يقتضي أن حكم عمد الخطأ حكم المحض في وجوب الدية، لكن هذا تجب فيه الدية أثلاثا لشبهة العمد.

وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر قال: بعث رسول الله خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا فجعل


(١) مسند أحمد ٣/ ٤٥١.
(٢) مسند أحمد ٥/ ٤٤٧.
(٣) الحقة: هي الداخلة في السنة الرابعة. وابن اللبون: ما دخل في الثالثة. وابن المخاض ما دخل في الثانية. والجذعة: ما تمّ له أربع سنوات.
(٤) عاقلة الرجل: عصبته، وهم القرابة من جهة الأب الذين يشتركون في دفع ديته.
(٥) الغرة من القوم: شريفهم وسيدهم. ومن المتاع: خياره ورأسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>