للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جعفر، حدثنا سمويه، حدثنا عبد الأعلى بن مسهر، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا خالد بن دهقان، حدثنا ابن أبي زكريا، قال سمعت أم الدرداء تقول: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا، أو من قتل مؤمنا متعمدا» وهذا غريب جدا من هذا الوجه، والمحفوظ حديث معاوية المتقدم، فالله أعلم، ثم روى ابن مردويه من طريق بقية بن الوليد عن نافع بن يزيد: حدثني ابن جبير الأنصاري عن داود بن الحصين، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي قال: «من قتل مؤمنا متعمدا فقد كفر بالله ﷿» وهذا حديث منكر أيضا، فإسناده متكلم فيه جدا.

قال الإمام أحمد (١): حدثنا النضر، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد، قال: أتاني أبو العالية أنا وصاحب لي، فقال لنا: هلما فأنتما أشب سنا مني، وأوعى للحديث مني، فانطلق بنا إلى بشر بن عاصم، فقال له أبو العالية: حدث هؤلاء بحديثك، فقال: حدثنا عقبة بن مالك الليثي قال: بعث رسول الله سرية فأغارت على قوم، فشد مع القوم رجل فاتبعه رجل من السرية شاهرا سيفه، فقال الشاد من القوم: إني مسلم فلم ينظر فيما قال، قال:

فضربه فقتله، فنمي الحديث إلى رسول الله ، فقال فيه قولا شديدا، فبلغ القاتل، فبينا رسول الله يخطب إذ قال القاتل: والله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل، قال: فأعرض رسول الله عنه وعمن قبله من الناس وأخذ في خطبته، ثم قال أيضا: يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل، فأعرض عنه وعمن قبله من الناس وأخذ في خطبته ثم لم يصبر حتى قال الثالثة: والله يا رسول الله ما قال الذي قال إلا تعوذا من القتل، فأقبل عليه رسول الله تعرف المساءة في وجهه، فقال: «إن الله أبى على من قتل مؤمنا ثلاثا» ورواه النسائي من حديث سليمان بن المغيرة.

والذي عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله ﷿، فإن تاب وأناب، وخشع وخضع وعمل عملا صالحا بدل الله سيئاته حسنات، وعوض المقتول من ظلامته وأرضاه عن ظلامته، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ﴾ -إلى قوله- ﴿إِلاّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً﴾ [الفرقان: ٦٨]، وهذا خبر لا يجوز نسخه وحمله على المشركين وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظاهر، ويحتاج حمله إلى دليل، والله أعلم. وقال تعالى: ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ﴾ [الزمر: ٥٣]، وهذا عام في جميع الذنوب من كفر وشرك وشك ونفاق وقتل وفسق وغير ذلك، كل من تاب أي من أي ذلك تاب الله عليه، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ﴾ [النساء: ١١٦] فهذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك، وهي مذكورة في هذه السورة الكريمة بعد هذه الآية وقبلها لتقوية الرجاء، والله


(١) مسند أحمد ٥/ ٢٨٨ - ٢٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>