للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالك وأبو العالية والسدي والربيع بن أنس. قال ابن جرير: وشياطين كل شيء مردته، ويكون الشيطان من الإنس والجن كما قال تعالى: ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ [الأنعام: ١١٢] وفي المسند (١) عن أبي ذر قال: قال رسول الله «[يا أبا ذرّ] (٢) تعوّذ بالله من شياطين الإنس والجن» فقلت يا رسول أو للإنس شياطين؟ قال «نعم» وقوله ﴿قالُوا إِنّا مَعَكُمْ﴾ قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس: أي إنا على مثل ما أنتم عليه ﴿إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ﴾ أي إنما نحن نستهزئ بالقوم ونلعب بهم (٣). وقال الضحاك عن ابن عباس: قالوا إنما نحن مستهزئون ساخرون بأصحاب محمد ، وكذلك قال الربيع بن أنس وقتادة.

وقوله تعالى جوابا لهم ومقابلة على صنيعهم ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ قال ابن جرير: أخبر تعالى أنه فاعل بهم ذلك يوم القيامة في قوله تعالى ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ﴾ [الحديد: ١٣] وقوله تعالى ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً﴾ [آل عمران: ١٧٨] قال: فهذا وما أشبهه من استهزاء الله تعالى ذكره وسخريته ومكره وخديعته للمنافقين وأهل الشرك به عند قائل هذا القول ومتأول هذا التأويل قال: وقال آخرون بل استهزاؤه بهم توبيخه إياهم ولومه لهم على ما ركبوا من معاصيه والكفر به. قال: وقال آخرون هذا وأمثاله على سبيل الجواب كقول الرجل لمن يخدعه إذا ظفر به: أنا الذي خدعتك، ولم يكن منه خديعة ولكن قال ذلك إذا صار الأمر إليه. قالوا: وكذلك قوله تعالى ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾ [آل عمران: ٥٤] و ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ على الجواب، والله لا يكون منه المكر ولا الهزء. والمعنى أن المكر والهزء حاق بهم، وقال آخرون: قوله تعالى ﴿إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ. اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ وقوله ﴿يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢] وقوله ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] و ﴿نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] وما أشبه ذلك إخبار من الله تعالى أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء ومعاقبهم عقوبة الخداع، فأخرج خبره عن جزائه إياهم وعقابه لهم مخرج خبره عن فعلهم الذي عليه استحقوا العقاب في اللفظ وإن اختلف المعنيان كما قال تعالى ﴿وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ﴾ [الشورى:٤٠] وقوله تعالى ﴿فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ﴾ فالأول ظلم والثاني عدل، فهما وإن اتفق لفظهما فقد اختلف معناهما. قال: وإلى هذا المعنى وجهوا كل ما في القرآن من نظائر ذلك.


(١) مسند أحمد، ج ٥ ص ١٧٨ و ١٧٩ و ٢٦٥.
(٢) الزيادة من المسند.
(٣) الدر المنثور ١/ ٦٩؛ والطبري ١/ ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>