للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجل، هذا كقوله: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ﴾ [الروم: ٣٠] على قول من جعل ذلك أمرا، أي لا تبدلوا فطرة الله ودعوا الناس على فطرتهم، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تجدون بها من جدعاء» (١) وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار، قال: قال رسول الله :

«قال الله ﷿: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم» (٢).

ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً﴾ أي فقد خسر الدنيا والآخرة، وتلك خسارة لا جبر لها ولا استدراك لفائتها. وقوله تعالى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً﴾ وهذا إخبار عن الواقع، فإن الشيطان يعد أولياءه ويمنيهم بأنهم هم الفائزون في الدنيا والآخرة، وقد كذب وافترى في ذلك، ولهذا قال الله تعالى:

﴿وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً﴾، كما قال تعالى مخبرا عن إبليس يوم المعاد ﴿وَقالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ﴾ -إلى قوله- ﴿وَإِنَّ الظّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٢٢].

وقوله: ﴿أُولئِكَ﴾ أي المستحسنون له فيما وعدهم ومناهم ﴿مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ﴾ أي مصيرهم ومآلهم يوم القيامة ﴿وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً﴾ أي ليس لهم عنها مندوحة ولا مصرف، ولا خلاص، ولا مناص، ثم ذكر تعالى حال السعداء والأتقياء ومالهم في مآلهم من الكرامة التامة، فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ أي صدقت قلوبهم وعملت جوارحهم بما أمروا به من الخيرات، وتركوا ما نهوا عنه من المنكرات ﴿سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ أي يصرفونها حيث شاؤوا وأين شاؤوا ﴿خالِدِينَ فِيها أَبَداً﴾ أي بلا زوال ولا انتقال ﴿وَعْدَ اللهِ حَقًّا﴾ أي هذا وعد من الله، ووعد الله معلوم حقيقة أنه واقع لا محالة، ولهذا أكده بالمصدر الدال على تحقيق الخبر، وهو قوله حقا، ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً﴾ أي لا أحد أصدق منه قولا، أي خبرا لا إله إلا هو ولا رب سواه، وكان رسول الله يقول في خطبته: «إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» (٣).


(١) صحيح البخاري (جنائز باب ٨٠ و ٩٣) وصحيح مسلم (قدر حديث ٢٢ - ٢٥)
(٢) صحيح مسلم (جنة حديث ٦٣). واجتالتهم عن دينهم: استخفتهم فجالوا معها في الضلالة.
(٣) صحيح البخاري (اعتصام باب ٢) وصحيح مسلم (جمعة حديث ٤٣) وسنن ابن ماجة (مقدمة باب ٧) وسنن الدارمي (مقدمة باب ٢٣) ومسند أحمد ٣/ ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>