وهذه هي طريقة الدعاة إلى الله - عز وجل - في كل زمان ومكان، منذ أرسل الله الرسل، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولو أننا استعرضنا تاريخ الدعوة لوجدنا أن جميع الرسل يدعون أقوامهم إلى توحيد الله - عز وجل- أولا، ثم يكرون على ما يعبدون من دون الله فيظهرون عجزها، ويفضحون زيفها، ويثبتون أنها لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا.
ونحن نرى في هذا أن دعوة الناس إلى التوحيد هي البناء الشامخ الذي يبذل الدعاة جهودهم في تشييده وإقامته، وإظهار محاسنه وإبراز روعته، وأن إظهار عجز الآلهة الأدعياء وفضح بطلانها هو هدم هذه الأكواخ المتداعية التي لم تعد تصلح للتشبث بها بعد أن ارتفع صرح الحق وعلا.
هكذا كانت خطة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع قومه؛ دعاهم أولاً إلى الإيمان بالله ورسله قبل أن يدعوهم إلى الكفر بآلهتهم، وطلب منهم التوجه بالعبادة لله وحده قبل أن يطلب منهم نبذ أصنامهم وأوثانهم.
إن أول كلمة جهر بها - صلى الله عليه وسلم - لدعوة قومه بعد أن جمعهم على الصفا هي قوله:"إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس كافة"، وفي البخاري:"إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، وكلتا العبارتين تدعوانهم إلى الإيمان به مرسلا من قبل الله الواحد الأحد.
وفي الدلائل للبيهقي عن ابن عباس - رضي الله عنهما – أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة ذهب إليه قومه، وطلبوا إلى أن يبعث إلى ابن أخيه محمد - صلى الله عليه وسلم - فينهاه عن سب آلهتهم وتسفيه عقولهم، فبعث أبو طالب إلى رسول الله، وسأله: أي ابن أخي، ما بال قومك يشكونك؟ يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول.
وأجاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:"أي عم! إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية".