وكان السائق يدخن ولكن تدخين الياباني المقتصد، وكان زميلي يحاول أن يسلي السائق ببعض الكلمات الإنجليزية؛ لأننا نحن نتكلم بلغتنا وهو لا يدري ما نقول، ولكن السائق لا يتكلم الإنجليزية، وربما كان عنده كلمات قليلة في حدود اختصاصه، ولذلك يرد على الزميل بلغته اليابانية، أما أنا فكنت لا أدري ماذا يقول هذا ولا هذا، إلا أنني كنت أعرف أن أحدهما يسير مشرقا والآخر يسير مغربا؛ فالزميل قد يأتي بالمبتدأ باللغة الإنجليزية بمعنى، والسائق يأتي بخبر المبتدأ بمعنى في واد آخر باللغة اليابانية، وأنا علي أن أتمتع بتلك الأصوات، وأسكت ولو كانت عندي لغة ثالثة لا يفهمها زميلي ولا السائق لكانت تشكيلة جيدة تحقق بيت الشعر الذي افتتحنا به سفرنا:
أقول له زيدا فيسمع خالدا
ويكتب عمرا ويقرأه بكرا
تهنا ولكنها أسعفتنا:
وعندما ظن سائقنا أنه في المنطقة التي فيها المركز أخذ يحاول العثور على المكان، يلتفت للأرقام المكتوبة على الجدران؛ فنزل للتأكد فوجد أنه غيره، وأخذ يمر بالشوارع الفرعية الأشد ضيقا ثم يعود إلى الشارع الرئيسي، وهكذا كاد ييئس، وفي آخر الأمر مرّ بشارع ضيق فالتقى بصاحب دراجة نارية يبدو من أنه من أهل الحارة فسأله فلم يهتد إلى ذلك، وبينما نحن واقفون تحت أحد المنازل والسائق يسأل وصاحبنا الزميل محمد بيلو يحاول مساعدته في السؤال باللغة الإنجليزية؛ إذ سمعت الحوار امرأة من الدور الثاني فعرفت أن هاهنا غرباء في حاجة إلى المساعدة فنزلت تسأل: ما بكم؟ باللغة الإنجليزية ففرح الزميل الذي تساوى رأسي معه قبل ذلك على الرغم من محاولته التفاهم مع السائق وغيره باللغة الإنجليزية دون جدوى؛ فكلمها وأعطاها العنوان، فأشارت للسائق على مكان قريب جدا فيه المركز فأنقذتنا مما نحن فيه.