للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هذه الإشارات الخفية ما تلمحه في قوله: "آنست من قلبي القساوة حين حللت ساوة، فأخذت بالخبر المأثور في مداواتها بزيارة القبور، فلما صرت إلى محلة الأموات وكفات الرفات، رأيت جمعا على قبر يحفر ومجنوز يقبر"، يشير بقوله: "وكفات الرفات"إلى قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً} [١٠] .

أما ذكره لقساوة القلب وزيارة القبور فهو إشارة إلى الحديث الشريف: "عودوا المرضى واحضروا المقابر؛ فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة"، وإلى حديث أنس رضي الله عنه: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ثم بدا لي؛ فزوروها؛ فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة" [١١] .

وكما نجده يشير إلى الآية أو يأتي منها بجزء منها نجده أحيانا يأتي خلال حديثه بآيات كاملة مثل قوله في خطبة ألقاها في نفس المقامة الحادية عشرة، قال: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [١٢] ، فاذكروا أيها الغافلون، وشمروا أيها المقصرون ...

وقال في آخر هذه الخطبة: "كلا ساء ما تتوهمون، {ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} .." [١٣] .

ومثل قوله: "كالباحث عن حتفه بظلفه والجادع مارن أنفه بكفه، فألحق بالأخسرين أعمالا، {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} .." [١٤] ، حيث أورد آية كاملة وجزءا من الآية التي قبلها.

أما قوله: "كالباحث عن حتفه بظلفه"، فهو إشارة إلى المثل العربي المعروف: وذلك أن ماعز كانت لقوم فأرادوا ذبحها فلم يجدوا شفرة فنبشت بظلفها في الأرض؛ فاستخرجت منها شفرة فذبحوها بها.

وكذلك قوله: "والجادع مارن أنفه بكفه"إشارة إلى قصير ابن سعيد بن عمرو مولى جذيمة الأبرش، والمثل: "لو يطاع لقصير رأي"، معروف كما أن قصته مشهورة [١٥] .