وكان يؤثر العزلة والوحدة، هروبا من الشهرة، وتحصيلا للمعرفة، وتجنبا للقيل والقال، فهو يرى الخلوة أروح لقلبه؛ تذكره بربه، ولكنه كان لا يتخلى عن واجب اجتماعي أو حضوره صلاة جماعة، وقد رآه الناس حين تحدى الحاكمين، وصبر على إيذائهم ليعلي كلمة الحق والدين.
وانعقد إجماع أهل الأقطار الإسلامية المتنائية على أنه رجل صالح، وتسايرت الركبان بذكر صلاحه، وتقواه وورعه وقوة إيمانه وزهده، وإذا كان الإجماع حجة فقد قامت الحجة على صلاح الإمام أحمد بن حنبل [١١] .
ومما قيل فيه من شعر قول الإمام الشافعي رضي الله عنه:
أضحى ابن حنبل حجة
وبحب أحمد يُعرف المُتَنسك [١٢]
ومن ذلك ما قال أبو محمد جعفر بن الحسن السراج البغدادي فيه:
دعَوْه إلى خَلق القرآن كما دَعوا
سواه فلم يسمع ولم يتأول
ولا ردّه ضربُ السياط وسجنُه
عن السنة الغراء والمذهب الجلي
لقد عاش في الدنيا حميدا موفقا
وصار إلى الأخرى إلى خير منزل
وإني لأرجو أن يكون شفيع مَن
تولاه من شيخ ومن متكهل
ومن حَدث قد نوّر الله قلبَه
إذا سألوا عن أصله قال: حنبلي [١٣]
هذه هي السيرة العطرة للإمام أحمد بن حنبل أحد الأئمة الأربعة، رضوان الله عليهم وسلامه عليهم أجمعين، إنه قد وضع روحه على كفه ليقدمها في سبيل ربه، لم يساوره الخوف لحظة من مخلوق مهما كانت لديه من قوة، إنه يدافع من أجل أن ينتصر الحق ويزهق الباطل.
فقد قدم الإمام أحمد كل ما يملك ليرد البدع والخرافات عن الدين الإسلامي الحنيف، صبر وصابر حتى لقي ربه.
أعز الله به دينه، فما نراه اليوم من تمسك بالكتاب والسنة أثر من آثاره الخالدة، فهنيئا له برضوان الواحد الديان وبرفقته لنبيه الكريم خير الأنام محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام.
مؤلفاته: