للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن المعتصم يقيم مباراة بين الجلادين لقتله بالسياط الموجعة، ويحدثونه في الرجوع عن إصراره، ولكنه يقول لهم في صلابة: أعطوني شيئا من كتاب الله وسنة رسوله أقول به.

ويستمر الضرب وتزداد شدته، حتى يقع الإمام أحمد - رحمه الله - على الأرض في غيبوبة، لا يدري ما يفعلون به.

وعندما عادت لأحمد ذاكرته، تقدم إليه ابن أبي دؤاد، وقال له: يا أحمد قل في أذني القرآن مخلوق حتى أخلصك من يد الخليفة؛ فقال له الإمام أحمد: يا بن أبي دؤاد قل في أذني القرآن كلام الله وليس بمخلوق حتى أخلصك من عذاب الله عز وجل، فقال المعتصم: أدخلوه إلى الحبس، فحمل إلى الحبس وانصرف الناس [٢٨] .

وهكذا واجه الإمام أحمد بن حنبل المحنة في صبر جميل وشجاعة نادرة، يقول أحد جلاديه: "ضربت أحمد بن حنبل ثمانين سوطا لو ضربته فيلا لهدمته" [٢٩] .

والراجح أن المحنة كانت في سنة تسع عشرة ومائتين؛ من واقع ما جاء في هذا الكتاب الذي يرويه ابن عمه، وفي كتاب النجوم الزاهرة [٣٠] .

وذهب العليمي إلى احتمال أن تكون المحنة في سنة تسع عشرة [٣١] ، بخلاف مما ذكره ابن خلكان من أن ضربه في العشر الأخير من رمضان سنة عشرين ومائتين [٣٢] .

وكانت مدة حبس الإمام ثلاثين شهرا، منذ بداية المحنة في عهد المأمون إلى أن خرج من السجن في شهر رمضان سنة عشرين ومائتين.

وقد رأى الإمام أحمد - رحمه الله - أن الأخذ بالتقية في دار الإسلام لا يصح؛ لأن المنكر في دار الإسلام يجب استنكاره وإلا تحولت صفتها ولم يعد لها اسم، وأن الاستنكار له مراتب، والتقية تكون حيث لا يكون للإسلام قوة وسلطانا كبلاد يضطهد الإسلام فيها، ولا سبيل للمسلم في الخروج منها فيستخفي بدينه، وتلك رخصة رخصت له تيسيرا وتسهيلا، وكل نفس وما تطيق.