قال أبو عبد الله: وأنا أنظر، وكان معي شعر النبي [صلى الله عليه وسلم][٤٩] أعطانيه ابن الفضل بن الربيع، وكان في صرة من قميص، فقال: انزعوا عنه قميصه ولا تخرقوه، ثم قال: ما هذا في ثوبه؟ فقالوا لي: ما هذا في ثوبك؟ قلت: هذا شعر من شعر النبي صلى الله عليه وسم، قال: صُيرت بين العقابين، فقلت: يا أمير المؤمنين، الله الله! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث" وتلوت الحديث [٥٠] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم"[٥١] ؛ فبم تستحل دمي ولم آت شيئا من هذا يا أمير المؤمنين؟ الله الله! لا يكفي الله وبيني وبينك مطالبة، يا أمير المؤمنين! اذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي بين يديك، يا أمير المؤمنين! راقب الله، فكأنه أمسك ولم يترك [٥٢] ، فقال ابن أبي دؤاد - وخاف أن يكون منه عطف أو رحمة -: يا أمير المؤمنين! إنه ضال مضل كافر بالله، قلت: يا أمير المؤمنين! اتق الله في دمي ونفسي، فقال: هذا كافر، وقال: هذا كافر، فأمرني حينئذ فأقمت بين العقابين، وجيء بكرسي فوضع له، فجلس عليه وابن أبي دؤاد وأصحابه قيام على رأسه، فقال لي إنسان: خذ الخشبتين بيدك وشد عليهما، فلم أفهم منه ذاك فتخلعت يداي، ثم قال أبو إسحاق للجلادين: أروني سياطكم، فنظر فقال: ائتوني بغيرها [٥٣] ، فأتوه بغيرها، ثم قال لهم: تقدموا، وقال لهم: ادنوا واحدا واحدا، ثم قال: أوجع؛ قطع الله يدك! فتقدم فضربني سوطين ثم تأخر، ثم قال لآخر: ادن، شد؛ قطع الله يدك! فضربني سوطين، ثم جاء آخر، فلم يزل كذلك فأغمي علي لما ضربني أسواطا، فلم أعقل حتى أرخى عني، فجاء فوقف وهم محدقون به، فقال: يا أحمد: ويلك تقتل نفسك، ويحك أجبني، أطلق عنك، وقال لي بعضهم: ويلك أمير المؤمنين قائم، ويلك إمامك على رأسك قائم،