أ - إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصوم لرؤية الهلال والإفطار لها في قوله:"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"، وحصر ذلك فيها بقوله:"لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه"، وأمر المسلمين إذا غم ليلة الثلاثين أن يكملوا العدة، ولم يأمر بالرجوع إلى علماء النجوم، ولو كان قولهم هو الأصل وحده أو أصلا آخر مع الرؤية في إثبات الشهر لبين ذلك، فلما لم ينقل ذلك بل نقل ما يخالفه دل ذلك على أنه لا اعتبار شرعا لما سوى الرؤية أو إكمال العدة ثلاثين في إثبات الشهر، وأن هذا شرع مستمر إلى يوم القيامة، وما كان ربك نسيا، ودعوى أن الرؤية في الحديث يراد بها العلم أو غلبة الظن بوجود الهلال أو إمكان رؤيته لا التعبد بنفس الرؤية مردودة؛ لأن الرؤية في الحديث متعدية إلى مفعول واحد فكانت بصرية لا علمية، ولأن الصحابة فهموا أنها رؤية بالعين، وهم أعلم باللغة ومقاصد الشريعة من غيرهم، وجرى العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهدهم على ذلك، ولم يرجعوا إلى علماء النجوم في التوقيت.
ولا يصح أيضا أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "فإن غم عليكم فاقدروا له" أراد أمرنا بتقدير منازل القمر لنعلم بالحساب بدء الشهر ونهايته؛ لأن هذه الرواية فسرتها رواية "فاقدروا له ثلاثين" وما في معناها، ومع ذلك فالذين يدعون إلى توحيد أوائل الشهور يقولون بالاعتماد على حساب المنازل في الصحو والغيم، والحديث قيّد القدر له بحالة الغيم.