وقد تجددت حوادث في أوائل القرن السابع بينهم وبين المسيحيين بغضتهم إليهم، وحدثت بينهما حروب طويلة وقتل وقسوة، كما فصل ذلك المقريزي في الجزء الرابع من كتابه؛ بما يدل على استهانة الفريقين بالدم الإنساني وتحين الفرص في النكاية بالعدو وعدم مراعاة الحدود في ذلك، مما يبعدهم جميعا بأخلاقهم هذه من قيادة البشرية وأداء رسالة الحق والعدل والسلام وإسعاد البشرية في ظلها [١٤] .
أما عن إيران أو مملكة الفرس، فقد قاسمت مملكة فارس الروم حكم العالم؛ كانت الأخلاق فيها منحطة والمحرمات موضع خلاف، حتى أن يزدجر الثاني الذي حكم أواسط القرن الخامس الميلادي تزوج بنته وقتلها، كما أن (بهرام جوينى) في القرن السادس كان متزوجا بأخته، فالإيرانيون اعتادوا الزواج بالمحرمات، وكانوا يعتبرون ذلك وسيلة تقرب إلى الله، وقد سبق ظهور دعوة (ماني) في القرن الثالث إلى تحريم النكاح استعجالا للفناء، ثم دعوة (مزدك) المولود في القرن الخامس إلى المساواة في المال والنساء، وجعل الناس شركاء فيهما حتى لا يعرف الرجل ولده ولا المولود أباه.
أما الأكاسرة ملوك فارس فكانوا يدعون أنه يجري فيهم دم إلهي؛ فنظر الفرس إليهم كآلهة يقدسونهم ويؤلهونهم فوق البشر؛ لذا كان بعض ملوكهم أطفالا لأن هذا الحق لا يخرج عنهم.
كما اعتقد الناس في البيوتات الروحية والأشراف الذين يرونهم فوق طينة العامة في نفوسهم وعقولهم؛ مما عمق نظام الطبقات في المجتمع، وجعل كل واحد لا يعمل إلا بالحرفة التي خلقه الله لها، ولا يشتري عقارا لأمير أو كبير، ولا يتولى الوضيع وظيفة، وقصة المغيرة بن شعبة مع الفرس توضح هذا [١٥] .
كما كان الفرس يمجدون قوميتهم الفارسية التي يرون لها فضلا على سائر الأجناس والأمم التي يزرونها، وينظرون إليها باحتقار وسخرية، ويرون أن الله قد خصهم - دون الأمم - بمواهب خاصة.