أما البرطيل: فقيل هو الحجر المستطيل، وسميت به الرشوة لأنها تلجم المرتشي عن التكلم بالحق، كما يلقمه الحجر الطويل، وكما جاء في الأثر:(إذا دخلت الرشوة من الباب خرجت الأمانة من الكوة)[٢] ، قاله ابن تيمية.
وفي القاموس: الترطيل: تليين الشعر بالدهن وتكسيره وإرخاؤه وإرساله.
مناقشة تلك الأقوال:
إن قولهم في الرشوة هي المحاباة والجعل لا يخلو من نظر؛ لأن المحاباة أعمّ؛ فقد تحابي صديقك وتصانع ولدك، وبعض من يقرب منك، أو تلزم مداراته لمروءتك أنت؛ كعطاء الشعراء ونحوهم.
ويقرب من هذا ما فعله صلى الله عليه وسلم مع العباس بن مرداس السلمي، حين سخط العطاء في غنائم خيبر وقال شعرا؛ فقال صلى الله عليه وسلم:"اقطعوا عنا لسانه حتى رضي".
وكذلك دخل رجل واستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند عائشة رضي الله عنها؛ فتلطف له ثم قال صلى الله عليه وسلم قولا، وذلك عندما استأذن عليه قال:"ائذنوا له؛ فبئس أخو العشيرة"، وقال:"إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس لشره"، وهو صلى الله عليه وسلم بعيد ومعصوم عن شوائب الرشوة، مما يدل على أن المصانعة والمحاباة ليست رشوة، وأن تفسير الرشوة بذلك فيه نظر، وأن المصانعة تكون بمال وبغير مال.
أما الجعل فمعلوم أنه نوع من الإجارة، وهو لا شك جائز بشروطه من بيان العمل المطلوب والجعل المجعول، وله باب في الفقه معروف.
ولو سلمنا أن الرشوة نوع منه - كجعل على باطل - فإن مسمى الجعل أعمّ من الرشوة.
وكذلك السحت؛ فقد فسروه بما هو أعمّ، كقولهم: هو الحرام، وقولهم: هو ما خبث من المكاسب فلزم فيه العار؛ فإنه يشاركه الربا في الخبث ومهر البغي في لزوم العار.. الخ.
وهذا ما يجعلنا نقول: إنه تعريف للرشوة بالمعنى العام، وسيأتي إيضاح المعنى الخاص بها عند الكلام على نصوص القرآن في الموضوع إن شاء الله.