ثم قال مبينا قاعدة فقهية بقوله: فإن التحريم في حق الآدميين إذا كان من أحد الجانبين لم يثبت في الجانب الآخر، كما لو اشترى الرجل ملكه المغصوب من الغاصب، فإن البائع يحرم عليه أخذ الثمن والمشتري لا يحرم عليه أخذ ملكه، ولا بذل ما بذله من الثمن، ثم حكى أقوال العلماء في خصوص الرشوة، فقال: ولهذا قال العلماء: يجوز رشوة العامل لدفع الظلم، لا لمنع الحق وإرشاده حرام فيهما. يعني في الأمرين الذين هما دفع الظلم أو منع الحق.
ثم قال: وكذلك الأسير والعبد المعتق إذا أنكر سيده عتقه، ومثل كذلك بالزوجة يطلقها زوجها فينكر طلاقها، فكل منهما يفتدي نفسه بالمال ليحق حقا وهو العتق والطلاق، ومعلوم أنهما حق لله تعالى وإلا بقيت الزوجة على غير عصمة.
ولذا تجد الفقهاء في مثل ذلك قالوا: لا تمكنه من نفسها باختيارها لتكون في حكم المغصوبة.
واستدل رحمه الله في هذا المبحث بالأثر عنه صلى الله عليه وسلم:"إني لأعطي أحدهم العطية، فيخرج بها يتلظاها نارا! "، قالوا: يا رسول الله فلم تعطيهم؟ قال:"يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله له البخل".
وقوله: ومن ذلك قوله: (ما رقى به المرء عرضه فهو صدقة) ، فلو أعطى الرجل شاعرا أو غير شاعر لئلا يكذب عليه بهجو أو غيره كان بذله بذلك جائزا، وكان آخذ ذلك لئلا يظلمه حرام.
وساق كلاما طويلا في ذلك المقام.
الموضوع الثاني: في مجموع الفتاوى ج ٣١ ص ٢٨٥ في جواب عن سؤال في هدايا الأمراء لطلب حاجة أو التقرب منهم.. الخ.
فبدأ جوابه بحديث أبي هريرة عند أبي داود وابن ماجة، قال:"من شفع حبة الشفاعة فأهدي له هدية فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا".
وساق تحريم الرشوة ثم قال: فأما إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراما على الآخذ، وجاز للدافع أن يدفعها إليه.