ونحن نقول: إذا كان الطبيب لا يستطيع وصف الدواء للمريض إلا بعد تشخيص مرضه بفحص جسمه ليعرف علته، ومن ثم يقدم له الدواء النافع؛ فإن على قادة الفكر الإسلامي تحسس الأسباب التي أدت إلى ارتكاس الأمة الإسلامية حتى وصلت إلى حالتها الراهنة التي لا تحسد عليها.
ودراسة حالة المجتمعات الإسلامية اليوم، في حاجة إلى مقارنتها بالماضي في فجر انبثاق الرسالة الإسلامية لمعرفة ماضيها المجيد، وكيف انحدرت بعد ذلك؟. وهذا الأمر يستدعي نظرة سريعة لحالة المجتمع البشري قيل البعثة.
إن نظرة عابرة لحالة البشرية كلها قبل بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم تعطينا صورة قاتمة لحالة ذلك المجتمع البائس في جميع شؤون حياته؛ ذلك المجتمع الذي كان يسوده الاضطراب، عداوة وبغضاء، وانحطاط أخلاق وسلوك، ولا حق فيه للضعيف وإنما الحق فيه للقوي الغالب، أما الضعيف المغلوب فهو مستعبد ممتهن، وعلى رأس تلك الانحرافات الأخلاقية والسلوكية: الشرك بالله الواحد الأحد.
وقد أنعم الله تعالى على تلك الأمة المتناحرة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم فأخرجها برسالته من الظلمات إلى النور، فأصبح أفرادها بنعمة الله إخوانا، وذلك حين أذن الله لهذا النور أن يبدد تلك الظلمات المتراكمة، وأن يسير هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالبشرية كلها إلى شاطئ السلامة، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} سبأ/ ٢٨..