في حين أن بعض المؤرخين المسلمين القدامى قد خصص كتابات في الحضارة الإسلامية أوردوها من خلال كتاباتهم أو أفردوا لها أبحاثاً مستقلة تناول فيها عصراً من العصور ومنهم من كتب في حضارة الإسلام بصفة عامة من هؤلاء المؤرخ الإسلامي المقريزي (٧٦٦-٨٤٥ هـ)[٢] . في الوقت الذي اهتم فيه كثير من المؤرخين الغربيين بحضارة الإسلام وصنفوا فيها المؤلفات مثل جوستاف لوبون في حضارة العرب وآدم متز في الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري وجب وباون Gibb. N. and Bowen في كتابهما المجتمع الإسلامي والغربي (١٩٣٧) .
ويقودنا هذا المفهوم إلى أسلوب المؤرخين القدامى والذين حفظوا التراث الإسلامي وتولوا مسألة صيانته ونقله بالأمانة والدقة العلمية، فالمؤلف حينذاك يتناول أحداث التاريخ بتفاصيلها ويسردها كاملة دون أن يكثر من إبداء الرأي حولها تاركاً ذلك لمن يأتي بعده، فالطبري (٣١٠هـ) مثلاً في كتابه الشهير تاريخ الرسل والملوك، يتناول بالسند الحقيقة التاريخية وهذه بالطبع مهمة شاقة للغاية لكنها دقيقة أيضا ومن ثم جاء كتابه متكاملا اعتمد عليه شيوخ المؤرخين فيما بعد.
وينطبق مثل ذلك على ابن الأثير (٦٣٠هـ) في الكامل في التاريخ وابن كثير (٧٧٤ هـ) في البداية النهاية، فكلاهما تناول أحداث التاريخ بالسنوات وعرض فيها ما جد من أحداث. ولأن هؤلاء تناولوا الموضوعات بهذه الطريقة فقد عرف المؤرخ حينذاك بالإخباري الذي ينقل الخبر الحقيقي دون أن يزيد عليه أو يضفي شيئًا من تعليقه إلا ما رآه من تضارب في الروايات السابقة عن الحدث نفسه وترجيحه للصواب من حسب تقدريه له.