الثالث: أن عموم {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} غير وارد في معرض مدح ولا ذم، وعموم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} وارد في معرض مدح المتقين والعام الوارد في معرض المدح أو الذم اختلف أكثر العلماء في اعتبار عمومه؛ فأكثر العلماء على أن عمومه معتبر كقوله تعالى:{إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيم, وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} ، فإنه يعم كل بر مع أنه للمدح، وكل فاجر مع أنه للذم وخالف في ذلك الإمام الشافعي رحمه الله قائلا إن العام الوارد في معرض المدح أو الذم لا عموم له لأن المقصود منه الحث في المدح والزجر في الذم.
ولذا لم يأخذ الشافعي بعموم قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} في الحلي المباح لأن الآية سيقت للذم فلا تعم عنده الحلي المباح؛ فإذا حققت ذلك فاعلم أن العام الذي لم يقترن بما يمنع اعتبار عمومه أولى من المقترن بما يمنع اعتبار عمومه عند بعض العلماء.
ـ الرابع: إنا لو سلمنا المعارضة بين الآيتين فالأصل في الفروج التحريم حتى يدل دليل لا معارض له على الإباحة.
ـ الخامس: إن العموم المقتضي للتحريم أولى من المقتضي للإباحة لأن ترك مباح أهون من ارتكاب حرام، كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله في سورة المائدة والعلم عند الله.
فهذه الأوجه الخمسة التي بينا يرد بها استدلال داود الظاهري بهذه الآية الكريمة على جمع الأختين في الوطء بملك اليمين، ولكنه يحتج بآية أخرى وهي قوله تعالى:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} فإنه يقول الاستثناء راجع أيضا إلى قوله {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} ، فيكون المعنى على قوله وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما ملكت أيمانكم فإنه لا يحرم فيه الجمع بين الأختين.