تتضمن هاتان الآيتان أن أهل مكة قد علموا أنه تعالى قد أهلك قبلهم كثيراً من الأمم بسبب كفرهم وتكذيبهم الرسل، وكانوا أشد منهم قوة وأكثر جمعاً للأموال وخصباً في الأرض ورفاهاً في العيش، أهلكهم ولم يُبق منهم أحدا، وأنشأ بعد المهلكين أمم أخرى تعمر أرضهم وديارهم.
فليحذر أهل مكة أن يصيبهم العذاب ما أصاب المكذبين بالرسل من قبل.
وهمزة الاستفهام في هذه الصيغة وفي هاتين الآيتين معناها الإنكار أي النفي، وقد دخلت على نفي فأبطلته فأصبح الكلام مثبتاً، والمعنى قد علم هؤلاء الكفار أننا أهلكنا قبلهم كثيراً من الأمم.
ومن العلماء من يقول بدلاً من هذا: الاستفهام هنا معناه التقرير أي الإيجاب.
والمعنى: قد علم هؤلاء الكفار ... الخ.
والقولان معناهما واحد كما تقدم في الصيغة السادسة.
وهمزة الاستفهام هنا في هاتين الآيتين تفيد التوبيخ أيضاً، يوبخ الله سبحانه وتعالى أهل مكة أن لم يروا رؤية تبصر واعتبار واتعاظ ما أصاب كثيراً من الأمم قبلهم من إهلاك وتعذيب وتدمير من جراء كفرهم وتكذيبهم الرسل، وقد كان مَن قبلهم أشد منهم قوة وأكثر مالا وأوسع نعمة.
وإعراب (ألم يروا) قد تقدم أكثر من مرة، والرؤية هنا علمية (فيما أرى وأرجح) و (يروا) بمعنى يعلموا، فالفعل متعد إلى مفعولين.
و (كم) في هاتين الآيتين تكثيرية (فيما أرجح) مبينة على السكون في محل نصب مفعول به مقدم للفعل الذي بعدها وهو أهلك.
و (كم) -وإن كانت تكثيرية- معلقة لفعل الرؤية عن العمل في مفعوليه، وهذا التعليق باعتبار أصلها وهو الاستفهام [٥](٥) .
وكم مع جملتها في محل نصب سدَّت مسدَّ مفعولي (يروا) .
أختي الكريمة " هل ".
يكفني ويكفيك هذا المقدار من هذه الرسالة، وأسأل الله تعالى أن يعين على رسالة خامسة أكتبها إليك عما قريب، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ...