ومن ههنا يجب أن يتعرف ذلك وأن قول ثعلب: وقفت الدابة ووقفت أنا، ووقفت وقفا للمساكين لا يجوز أن يكون الفعل اللازم من هذا النحو، والمجاوز على لفظ واحد في النظر والقياس لما في ذلك من الإلباس، وليس إدخال الإلباس في الكلام من الحكمة والصواب، وواضع اللغة عز وجل حكيم عليم، وإنما اللغة موضوعة للإبانة عن المعاني، فلو جاز وضع لفظ واحد للدلالة على معنيين مختلفين أو أحدهما ضد للآخر لما كان ذلك إبانة بل تعمية وتغطية ولكن قد يجيء النادر من هذا لعلل، كما يجيء فعل وأفعل فيتوهم من لا يعرف العلل أنهما لمعنيين مختلفين وإن اتفق اللفظان، والسماع في ذلك صحيح من العرب فالتأويل عليهم خطأ وإنما يجيء ذلك في لغتين متباينتين، أو لحذف واختصار وقع في الكلام حتى اشتبه اللفظان وخفي سبب ذلك على السامع وتأول فيه الخطأ وذلك أن الفعل الذي لا يتعدى فاعله إذا احتيج إلى تعديته لم تجز تعديته على لفظه الذي هو عليه حتى يُغير إلى لفظ آخر إما بأن يزاد في أوله همزة [٣] أو يوصل به حرف جر بعد تمامه ليستدل السامع على اختلاف المعنيين إلا أنه ربما كثر استعمال بعض هذا الباب في كلام العرب حتى يحاولوا تخفيفه فيحذفوا حرف الجر منه كقولهم: كلته -وزنته أي كلت له وزنته له فيعرف بطول العادة وكثرة الاستعمال وينوب المفعول وإعرابه فيه عن الجار والمجرور المحذوف، أو يشبه الفعل بفعل آخر متعد على غير لفظه فيجري مجراه لاتفاقهما في المعنى كقولهم حبست الدابة وحبست مالاً على المساكين.