وقد جاءت الآية المذكورة بعد قوله تعالى:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا}(محمد آية ١٠) .
والآيتان مرتبطتان، ومعناهما: أفلم يَسِرْ المشركون بالله المكذبون لرسوله فينظروا كيف عاقب الله الذين من قبلهم بتكذيبهم وكفرهم ونجى المؤمنين من بين أظهرهم، ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين يوم فرغوا من وقفة أحد أن يجيبوا أبا سفيان لما قال لهم: لنا العزى ولا عزى لكم فيقولون: "الله مولانا ولا مولى لكم"[١٨] . وقال الإمام الشوكاني في معنى الآيتين: أي ألم يسيروا في أرض عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ليعتبروا، فينظروا كيف كان آخر أمر الكافرين قبلهم، فإن آثار العذاب في ديارهم باقية، إذ أهلكهم الله واستأصلهم، ثم توعد سبحانه مشركي مكة بأن لهؤلاء الكافرين أمثال عاقبة من قبلهم من الأمم الكافرين، وذلك سببه أنه تعالى ناصر المؤمنين، وأن الكافرين لا ناصر يدفع عنهم.
ثم بين سبحانه وتعالى مظهر ولايته للمؤمنين يوم القيامة في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار}(محمد آية/١٢) وبين في مقابلة ذلك عدم ولايته للكافرين ومظهر ذلك في الدنيا والآخرة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ}(محمد آية ١٢) أي أن الكفار ليس لهم همٌ في دنياهم إلا الانكباب على الأكل والتمتع في الدنيا، لا هم لهم إلا ذلك، ولهذا ثبت في الصحيح قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"المؤمن يأكل في معًى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء"أي كأن له سبعة أمعاء كناية على كثرة أكله. ويوم القيامة النار تكون جزاء لهم [١٩] .