إنه يتناول بالتفصيل رخصة الفطر في السفر باعتبارها تطبيقاً جزئياً لقاعدة هامة من قواعد الشريعة الإسلامية، ألا وهي قاعدة رفع الحرج، تلك القاعدة التي تعتبر من الحصون المنيعة التي أقامها رب العزة تبارك وتعالى للدفاع عن الشريعة الإسلامية ضد أعدائها الرامين لها بكثرة التكاليف وشدتها، كما أنها من جملة البراهين الساطعة الدالة على سماحة تعاليم الإسلام ويسرها، ومناسبتها لكل الظروف والأحوال، لذلك كانت هذه القاعدة وما تشتمل عليه من تطبيقات جديرة بأن يسجلها القرآن الكريم في كثير من آياته، مثل قوله تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}(البقرة/٢٨٦) ، وقوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(الحج/٧٨) ، وقوله تعالى:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}(البقرة/١٨٥) ، وقوله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ}(النساء/١٠١) وقوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}(النساء/١٧٩) .
الأمر الثاني:
إن هذا البحث يتناول أهم الأحكام المتصلة بجانب حيوي من جوانب الحياة الإنسانية، وهو السفر، وهو جانب لا يمكن الاستغناء عنه، وكيف يمكن الاستغناء عنه وقد جعله الإسلام واجباً في كثير من التشريعات العملية، فالحج فريضة على كل مسلم مستطيع، ولا يمكن تأديته لأكثر المسلمين إلا بالسفر، والوسيلة إلى تحقيق الواجب واجبة، ويقال هذا أيضا في الجهاد لمن تعين عليه.