وقد نقل البيهقي الأثر السابق عن عبيدة السلماني بسنده.. إلى أبي البختري بنفس اللفظ السابق تقريباً إلا أنه عقبه بقول أبي البختري: قال ابن عباس -وكان أفقه منا- من شاء صام ومن شاء أفطر [١١] .
وقد حرصت على نقل أسماء القائلين بهذا الرأي مع ذكر وجهتهم بالسند الصحيح إليهم، لأن ما ذكر عن هذا الرأي وعن القائلين به ووجهتهم لم يكن محققاً، ولنأخذ على سبيل المثال ما ذكره صاحب الفتح نقلاً عن ابن المنذر "روي عن علي بإسناد ضعيف، وقال به عبيدة بن عمرو وأبو مجلز وغيرهما، ونقله النووي، عن أبي مجلز وحده"[١٢] .
واضح من رجال السند إلى علي رضي الله عنهم أنهم ثقات: فقد قال الحافظ ابن حجر في كل من معمر وقتادة: إنه ثقة ثبت [١٣] وأما عبد الرزاق صاحب المصنف فهو معروف. وقد قال فيه ابن حجر: إنه ثقة حافظ [١٤] . كما أن النووي لم يقتصر في نقله عن أبي مجلز وحده، بل نقله أيضاً عن أبي عبيدة السلماني وسويد بن غفلة كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق.
ويتلخص مستند هذا الفريق في الاستدلال بقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} . ووجه الدلالة، أن من شهد الشهر حاضراً مقيماً وجب عليه صومه، ولفظ الشهر يطلق على الكل وعلى البعض، فيكون المعنى، فمن شهد منكم الشهر -كله أو بعضه- حاضراً مقيماً صائماً فإنه يجب عليه تكملة صيامه سواء أكمله حاضراً أم مسافراً.
ولكن الجمهور: يرون أن المعنى أن من أدرك الشهر أي حضره كله حاضراً غير مسافر وجب عليه صومه. وأما المسافر فله حكم آخر جاء به في الجزء التالي في الآية، وهو قوله تعالى:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} الآية [١٥] .