وعلى فرض أن الآية تحتمل التأويلين، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين المراد منها بفعله في غزوة الفتح، إذ صام أول الشهر بالمدينة، وخرج منها صائماً حتى بلغ الكديد ثم أفطر، قال الزهري -في رواية أخرى لحديث ابن عباس السابق-: "فصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان"[١٨] .
وفي حديث آخر عن أبي سعيد الخدري -ولعله في غزوة بدر- قال:"غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان، فمنا من صام ومنا من أفطر، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم"[١٩] .
وفعله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح -وكانت في العام الثامن من الهجرة- يعتبر من التشريعات المحكمة لما جاء في حديث ابن عباس السابق -في رواية ثالثة له-: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر، قال وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره"[٢٠] .
فهذه الأحاديث الواردة في محل النزاع تقطع كل احتمال يتوهمه البعض من الآية وترفع كل لبسة قد يحوم حول دلالتها على عموم الرخصة، سواء لمن شهد بداية الشهر مقيماً أو مسافراً فقد قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(الحشر/٧) ، وقال جل من قائل:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}(النحل/٤٤) .
لذلك كان هذا هو الرأي المختار والله أعلم.
أما ما نقل عن علي رضي الله عنه من القول بوجوب إتمام الشهر صائماً فلعله كان اجتهاداً منه, ومعلوم أن النص الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أقوى من اجتهاد الصحابي مهما كان قدره.