وإحقاقا للحق واعترافا به أن ما يأتي من الغرب ليس شرا كله، بل هناك جوانب مشرقة وخيرية، فيجب علينا أن نقف ونتبين ونميز، ولا نكون أمامها (كحاطب ليل) ، فما وافق ديننا وأخلاقنا أخذناه (خذ الحكمة من أي وعاء خرجت) وما خالف ديننا نبذناه نبذ النواة. ولكن شبابنا -هداهم الله- قلدوا أهل الغرب في الجوانب المظلمة وتركوا المشرقة فمثلهم -كما قال الشيخ محمد الغزالي حفظه الله- مثل رجل مسلول- مصاب بذات الرئة - رأى عملاقا- فارع الطول مفتول العضل ولكنه يشرب الدخان- فلم تعجبه هذه العملقة بقدر ما أعجبه شرب الدخان فقلده فيه ليجلب على نفسه الضعف والهلاك. ولعل التربية الإسلامية كفيلة بتبصير شبابنا بمساوئ الحضارة الغربية حتى لا يغتروا بزخارفها الخادعة، وأشكالها الفارغة من المحتوى والكيان، وفي الوقت نفسه تحضهم على التمسك بأخلاقنا الإسلامية العظيمة وعاداتنا الوطنية الأصيلة محافظة على تراثنا واعتزازا به، وإن في تمسكهم به غنى لهم عن غيره، وتحصينا لهم من ضرره، وعاصما لهم من الانحراف الفكري والانحطاط الخلقي. كما تبين لهم الأثر الكبير- للحضارة الإسلامية في تقدم أوربا، وأن نهضة الغرب الحالية إنما كانت بدفع قوى من يدي الإسلام، وأنه لولا جهود المسلمين لتأخرت نهضة أوربا بضعة قرون، وأن مؤلفات ابن سينا وغيره من علماء المسلمين كانت تدرس في جامعات أوربا حتى القرن الثامن عشر الميلادي.
وأن العلماء المسلمين كانوا أساتذة أوربا في جميع فروع المعرفة، وأن الغربيين مدينون لهم في الحقل العلمي. وقد اعترف علماء أوربا بهذا الفضل للمسلمين- والفضل ما شهدت به الأعداء.
والواقع أننا لسنا في حاجة لشهادتهم لنا، ولكن نذكرها لما رأينا قومنا يجهلون ما علمه غيرهم وينكرون ما اعترف به سواهم، ليقبلوا عليه وينشغلوا به، ويضيفوا إليه كل ما يعلى أسواره ويغيظ غرامه وحساده.