ويمكننا أن نعتبر رغبة القبائل القيوتونية في الهجرة، وحبهم للمخاطرة من بين تلك الأسباب، كما لا نستبعد أن يكون هدم الخليفة الفاطمي (الحاكم بأمر الله) لكنيسة القيامة في أواخر القرن الرابع الهجري من بين الأسباب البعيدة لهذه الحروب [٢٢] .
أما ادعاء الحجاج المسيحيين أنهم كانوا يلقون مصاعب في أثناء اجتيازهم أسيا الصغرى الإسلامية، وهم في طريقهم إلى بيت المقدس، أو أنهم كانوا يتعرضون لمضايقات من جانب المسلمين في أثناء حجهم، فليس له ما يبرره؛ لأن تعاليم الإسلام كفلت لأهل الأديان الأخرى الحرية التامة في مزاولة شعائر دينهم، ونهت عن التعرض لهم بسوء ماداموا مسالمين ولا نظن أن مسلمي هذا العصر كانوا يجهلون ذلك.
ولئن سلمنا حدوث بعض مضايقات، فإن ذلك لا يعدو أن يكون حوادث فردية صدرت من بعض جهلة المسلمين، وحتما على فرض صدورها، فإنها لا تقتضي هذه الضجة الكبرى التي أثارها الغرب ضد المسلمين ولا تستلزم سفك ما سفك من دماء في هذه الحروب التي استمرت نحو قرنين من الزمن.
وكان الراهب بطرس الناسك الذي حج إلى بيت المقدس، وعزّ عليه أن يراه مِلكا للمسلمين، وهو المكان الذي يقدسه المسيحيون؛ كان هذا الراهب هو الذي روّج تلك الإشاعات.
على أن السبب المباشر لتلك المأساة التي ذهب ضحيتها عدد من البشر هو استنجاد الإمبراطور "ألكسيوس كمنينوس"إمبراطور الدولة البيزنطية بالبابا "إربان الثاني"بطريك الكنيسة الغربية بعد هزيمة البيزنطيين أمام السلاجقة في موقعة "ملاذكر"في أواخر سنة ٤٦٢ هـ[٢٣] ، وكان هذا الاستنجاد بعد الموقعة بأكثر من عشرين سنة ولكنه صادف هوى في نفس البابا الذي كان يطمع في ضم الكنيسة الشرقية إلى الكنيسة الغربية فأثار تلك الضجة العالمية التي تعتبر من أهم أحداث التاريخ العالمي.