قولك: أيديت عند الرجل، يدًا، فمعناه أسديت إليه معروفا [١٦] ، وأنعمت عليه وهو فعل مشتق من اليد، وهي جارحة من الجوارح، فهو اشتقاق من الأعيان، فليس اسمها بمصدر تتصرف منه الأفعال، ولكن صرف منه ذلك على الاستعارة والتشبيه بالمصادر؛ لأنه لما جعل اسما للإسداء والإنعام على الاستعارة؛ لأنهما لا يكونان إلا بهذه الجارحة، فمعنى أيديت أي اتخذت عنده يدا.
والنعمة تسمى يدا، وتجمع على الأيدي كما جمعت اليد نفسها، وربما جمعوا الجمع فقالوا: الأيادي ليفرقوا بين جمع الجارحة والنعمة.... وقد روى عن بعضهم: يديت إليه معروفا، بغير ألف، وحكى الخليل أنهم يقولون:"إن [١٧] فلانًا لذو مال ييدي به ويبوع".
وهو عند الزجاج كأفعلت، وهو عند جماعة لغة ... وهو كما قال الخليل فهو يبسط به يديه وباعه، فكان قولهم: يديت إنما هو من هذا لا من النعمة؛ لأن اليد هي التي تبسط بالخير والشر، وتصرف بها الأمور وكذا الباع.
غلى وأغلى
أغليت الماء فهو مغلى، فمعناه كمعنى سخنت وطبخت وأحميت وتقول: قد غلى الماء نفسه بغير ألف فهو يغلي غليانا وغليا كما قال الله عز وجل {يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} ، وقد أغلاه غيره وهو يغليه إغلاء فهو مغلي، كما تقول: حمي يحمي وأحماه غيره يحميه إحماء فهو محمى فتنقله بالألف، والعامة تقول: غليت الماء بغير ألف وهو مغلي على مفعول، وهو خطأ.... ويقولون: غليت القدر تغلي بكسر الثاني من الماضي والمستقبل، وهو أيضا خطأ وفيه قال الشاعر أبو الأسود:
ولا أقول لقدر القوم قد غليت
ولا أقول لباب الدار مغلوق
ولم يجيء فعل يفعل (بكسر العين في الماضي والمضارع) في الكلام إلا كلمات قليلة شاذة عن القياس، مثل حسب يحسب وورم يرم كأنهم حملوا أغليت على حميت لما كان في معناه وهو غلط منهم.