ولما كان الظالم والمظلوم قد غادرا هذه الحياة الدنيا، ولم يأخذ المظلوم حقه من ظالمه ولما كانت عدالة الله تعالى تقتضي القصاص، وأن يأخذ المظلوم حقه من الظالم كان لا بد من حياة أخرى، غير هذه الحياة، يتم فيها تقاضي الحقوق بين العباد ويقتص فيها للمظلوم من الظالم. هذه الحياة هي التي تكون في الآخرة، حين يبعث الله الناس من قبورهم، {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ}(المعارج آية ٤٣) ولذا كان من المحتم على المرء الاعتقاد، بوقوعه وتحققه. وهذا أمر يرشد إليه العقل، ويحتمه المنطق، وتدل عليه النصوص الدينية، قال تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}(المؤمنون آية ١١٥) .
وقال تعالى:{أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثم كان ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُْنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى}(القيامة الآيات من ٣٦- ٤٠) .
لكن كثيرا من الناس قد ضلوا في هذا الباب، فقصرت عقولهم عن إدراك هذا المعنى فأنكروا البعث بعد الموت، بلا دليل، سوى أنه استبعدوا وقوعه بعد تفتت الأجساد وتمزقها.