للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستمر الأمر على هذا الحال حتى جاء عهد صلاح الدين الأيوبي، وكان -أيضا- من المتمسكين بالسنة، فألغى هذه الاحتفالات، وتم تنفيذ هذا الإلغاء في كل أنحاء الدولة الأيوبية، ولم يخالف في ذلك إلا الملك المظفر الذي كان متزوجا من أخت صلاح الدين.

وقد ذكر المؤرخون أن احتفالات الملك المظفر بالمولد كان يحضرها المتصوفة، حيث يكون الاحتفال من الظهر إلى الفجر، وكان ما ينفق في هذا الاحتفال يزيد عن ثلاثمائة ألف دينار.

واستمرت بعد ذلك هذه الاحتفالات إلى يومنا هذا، بل توسعوا فيها حتى امتدت إلى الاحتفال بمولد كل عظيم في نظر العامة، إن كان من الملحدين، بحجة أنه من الأولياء. ولا يخفى على الجميع مدى المنكرات والموبقات التي ترتكب في أسواق الموالد، من شرب للخمر، ولعب للميسر، ورقص وغناء تؤديه النسوة في مجامع الرجال وغير ذلك من الكبائر، حتى أصبحت كلمة المولد يضرب بها المثل في كل المجالات، للفوضى والاستهتار، وأعظم من هذا كله اعتقاد هؤلاء الجهال أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحضر المولد؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، بل يزعم بعضهم أنه يصافحه وهذا من أعظّم الباطل، بل هو غاية الجهالة والضلالة؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس- بل هو مُنْعم في قبره، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم "أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة وأنا أول شافع وأول مشفع".

ونحن لا نلوم العامة الذين يفعلون مثل هذه الأمور وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.