الوجه الثالث: فهم السلف قاطبة من قوله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة" أي أحيا سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم حين يميتها الناس، ويتبعه الناس في هذا الإحياء الذي دعاهم إليه، يوضح ذلك حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه مسلم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء" فإن قوله من دعا إلى هدى تفسير لما أجمل في قوله من سن سنة حسنة وبالمقابل "من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيء".
وقد دلت الأحاديث على أن كل بدعة ضلالة، بدون استثناء لأي نوع من البدع، فمن دعا إلى بدعة محدثة في الدين فقد دعا إلى ضلالة، سواء سماها بدعة حسنة أو لم يسمها كذلك.
الوجه الرابع: قالوا بأن البدعة قسمان- حسنة وقبيحة- وهو تقسيم من عند أنفسهم، وبمحض عقولهم الفاسدة، ونحن نوجه إليهم هذا السؤال: كيف نعرف أن هذا العمل حسن أو قبيح؟ وبالطبع سيجيب كل عاقل بأن الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبّحه الشرع، ولا يعرف هذا إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة، فيقال لهم حينئذ إن الكتاب والسنة قد دلا على ذم البدع كما تقدم في الأدلة فما وجه تقسيمكم هذا؟
ثانيا: يستدل كثير من أهل البدع بما يروى عن عمر رضى الله عنه من قوله نعمت البدعة هذه، ردًّا على من أنكر عليه أمرَه الناس بصلاة التراويح جماعة في المسجد، خلف أبى ابن كعب، يستدلون بهذه القصة توهما منهم أن ما فعله عمر بدعة وهذا باطل من وجوه:
الوجه الأول: أن عمر رضي الله عنه لم يفعل بدعة، وإنما فعل سنة كان النبي صلى الله عليه وسلم قد فعلها، ثم تركها خشية أن تفرض على الأمة كما بيَّن صلى الله عليه وسلم ذلك ولم ينه الناس عن فعلها مما يؤكد بقاء سنتها.